هكذا تَمُر الأيام.. وتندمِج الدقائق والساعات لتصنع لَكَ سُلَماً يُمَكِنك من اجتياز المصاعب والعقبات.. هكذا ينحرف مؤشر تِلك الساعة ليُحَفِزك على تقديم أفضل ما لديك من قُدراتٍ إنسانية رائعة..
يا لها من مشاعِر غريبة الأطوار، تُحرِك أطرافنا لإرضاء حاجتها.. تدفعنا لنقترب من بعضهم ونبتعد عن آخرين.. وتسري رياحها ما بين الأورِدة وبين الضلوع، فتُهِيمن علينا غرائِزها، وتُطيح بإرادَتِنا أرضاً، فنصيرُ كأكوابٍ فارِغة تُملء بنزوة ظمآنٍ مجهول.. إذا رأيتنا من فوق تَلةٍ حسبتنا دُمى مسلوبة الذات، فاقدة الهوية، تائهة في ملكوت بدأ مُنذُ زمنٍ بعيد.. ها نحنُ البشر، نُدرِك أن هُنالك حُباً ينتظِرنا بين طيات السنين، حُباً يُنسينا ما قد مضى، يُداوينا من جروح المشاعر، يُجففنا مما قد سكبهُ الماضي فوق رؤوسنا، ويحتَضِننا بين أعلى ضلوع صدرهِ، فتزول الآلام، وتتلاشى الذكريات كالسراب، ويتسلل نوراً من بين الشقوق، فتتفتح زهورنا على أثره، يُرسِل لنا رسائل ضمنية مفادِها الأمل والحياة، تُجِدد فينا الروح، وتُذَكِرنا ألا نيأس مِن مُداهمة القدر أحياناً لطريقنا، فتقوى ساق كانت عن الوقوف عاجِزة.
إنها الحياة، تِلك المُعادلة صعبة المنال، ولكنها سهلة الإدراك والمُسايرة، تُهاجِمنا تارة وتدعمنا تارةً أُخرى، أحياناً تَظُن أنهُ قد خاب رجاءك فيها، ولَكِن مع الوقت تكتشف أن الحياة هي رجاؤك بعينهِ، لم تنسَك، وكيف تنسى وأنت جُزء مِنها، فوجودَك يعني الحياة، استمرارك في السير قُدُماً يعني الحياة، استيقاظك من ثُباتٍ عميق يعني الحياة، أنت ترغب في الاستمرار بِها، عيناك تَنطِقان بالحقيقة، وشفتاك تتثاقلان عن النُطق بِها، هكذا هي طبيعتنا نحنُ البشر، دائماً ما نهرب مما يجول في خاطِرنا، فتختلف حواسنا فيما بينها، القلب يرغب والعقل يُفَكِر في الأمر ملياً، جميعنا يعلم الحقيقة، جميعنا يُدرِك الواقع، لَكِن ما مِن أحد يستوعِب أن الواقع أيضاً يعرفنا، يسكُن فينا بين الضلوع، ونحنُ مازِلنا نتهرب مِنهُ..
لقد آن الوقت لنُواجِه الواقع مهما كان مؤلِماً، لنتوقف عن الهروب، ولنعد إلى سكنات الحرب، فلدينا من القوة والإرادة ما يُعجز عقباتنا عن العمل، وكيف تَعمل أمام أُناسٍ تُحرِكَهُم روحان، روح قد وهبتها لهُم الحياة، وأُخرى قد نُسِجت في أعينهم يوم أن قرروا الصمود والاستمرار..