أربع ساعات كاملة، قضاها شابّ مُغامر في عرض البحر، ماسكاً بشراعه فوق لوح بسيط؛ ليقطع مسافة 40 ميلاً (70 كلم) بين مدينته قليبية (105 كلم عن العاصمة تُونس)، وساحل جزيرة «بانتلاريا» بإيطاليا، ويصل سالماً، حيث قرّر أن يهاجر بشكل غير قانونيّ، وعندما نجح في رحلته المحفوفة بالمخاطر تحوّل إلى بطل.
هو حمزة لوراسي، شابّ في العشرين من عُمره، يحلمُ كأغلب أبناء جيله بمُستقبل باسم وحياة مرفّهة، وله قناعة بأنّ أوروبا هي الجنّة الموعُودة التّي ستنتشله من واقعه البائس.
وحمزة -حسب شهادة أحمد المسلماني مدير نادي الرّياضات البحريّة «بمدينة «قليبية»- انقطع عن الدّراسة مبكّراً، وعانى من تفكّك ومشاكل أسريّة واجتماعيّة، وانخرط في النّادي مُنذ أن كان في التّاسعة من العُمر، واكتسب مهارة في رياضة الألواح الشراعيّة، وبرع فيها أيّما براعة، وازداد تمكّنه من هذه الرّياضة، عندما اشتغل مدرباً في فنادق سياحيّة في جزيرة «جربة»، ثم ّفي مدينة «الحمامات»؛ يعلّم السيّاح هذه الرّياضة البحريّة، كما تمّ اختياره ضمن المُنتخب التّونسي في هذه الرّياضة، وشارك في مسابقات وطنيّة ودوليّة، إلّا أنّه لم يكن محل عناية من السّلطات الرياضيّة، ولم يكن يتقاضى جراية أو دعماً مالياً.
وبشهادة مدير النادي، كان يمكن لو وجدت الإحاطة الماديّة والمعنويّة؛ أن يصبح حمزة بطلاً أوليمبياً.
الدّاخل إليه مفقود
ويوم الاحتفال برأس السنة الجديدة، وبينما كان النّاس يستعدون للسّهر في الفنادق والمطاعم والبُيوت، ينعمون بالدّفء والبهجة وفرحة الحياة، اختار حمزة ذلك التوقيت ليركب البحر وحيداً فريداً على لوحة شراعيّة، ويخوض مغامرة مجنونة لا أحد يمكن له التكهّن بعواقبها.
كان الطّقس يومها بارداً جداً، قاربت فيه درجات الحرارة الصّفر، ولكن حمزة خطّط وعزم وصمّم على القيام برحلته البحرية الخطرة، مُتحدياً الأمواج العاتيّة والرّياح العاصفة.
ينفخ الرّيح في شراعه، فيتقدّم إلى الأمام ميلاً بعد ميل، يشقّ عُباب البحر الأبيض المتوسّط، يدفعه حلمه الذّي يظهر سراباً، ولكنّه هو رآه واقعاً لمسه بشجاعته، فالموت كان رفيقه الذي يترصّده طيلة السّاعات الطويلة التي قضاها في البحر، ماسكاً بيديه شراعاً تتقاذفه الرّياح والأمواج.
الله كان معي
وحال وُصوله سالماً إلى الجزيرة الإيطاليّة، نشر فيديو قصيراً يظهر فيه سعيداً فرحاً، مرتدياً لباساً عليه العلم التُّونسي، قائلاً وهو يُشير إلى البحر وراءه: «لقد عبُرته بمفردي»، مضيفاً مكرّراً وهو يشكر الله ويحمده، قائلاً: «معايا سُبحانه.... معايا سبحانه» (الله سبحانه كان معي)،
وقد ذاع خبر مغامرته المدهشة بعد أن أعلم هو والده بوصوله سالماً، وبعد أن تحدّثت عنه الصّحافة الإيطاليّة، وأبرزت مُغامرته، كما خصّصت بعض الإذاعات التُّونسيّة فقرات مطوّلة للحديث عنه، ومن بينها «راديو ماد»، الذّي استضاف أحمد المسلماني، بصفته مدير النادي البحري الذي ينتمي إليه حمزة، وقد قال عنه: «إنّ ما قام به حمزة، ورغم أنه مخالف للقانون، إلا أنه إنجاز رياضي كبير».
وتفاعل التُّونسيّون على مواقع التّواصل الاجتماعي تفاعلاً كبيراً مع الحادثة، وتهاطلت التّهاني على حمزة، الذي اعتبره الكثيرون بطلاً، وقد استعار بعض المدوّنين الجُملة الشّهيرة للمعلّق الرّياضي التّونسي عصام الشوّالي: «كم أنت كبير يا ابن الخضراء!».