انطلقت الرّحلة 626 صباحاً من باريس إلى «جزر القمر» عبر صنعاء، على متن طائرة الخُطوط اليمنيّة، ومن بين ركّاب الطائرة «إيرباص310» كانت الصبيّة بهيّة باكاري، التّي لم يتجاوز عمرها 13 عاماً، رفقة أمّها «عزيزة».
وُلدت بهيّة في عائلة مُهاجرة في فرنسا ولم تزر أبداً بلاد آبائها وأجدادها، بسبب ضعف إمكانيّات والدها الماديّة؛ فهو عامل نظافة بسيط مُهاجر ومُقيم في ضواحي باريس منذ عديد السّنوات.
أراد قاسم باكاري والد بهية إهداء ابنته البكر هذه الرحلة إلى بلاد أجدادها جزاءً لها على نتائجها الدراسيّة الممتازة.
وجاء اليوم الموعود واستقلت الصبيّة الطائرة في أول رحلة لها في الجو في حياتها، كانت سعيدة حالمة ومتشوّقة ومتلهّفة للالتقاء بأجدادها وببقيّة أفراد أسرة والديها للمرّة الأولى.
طيلة الرّحلة وهي بجانب أمّها تتبادل أطراف الحديث معها، تناولا معاً طعاماً لذيذاً وكانت الصبيّة تُسرّح نظرها في السّحب والسّماء؛ مُبتهجة باكتشافها عالم الطيران، مُنشرحة لرُؤية المُضيّفات بزيّهن الأنيق الجميل.
مرّت الرّحلة بسلام، نزلت الطائرة أولاً بصنعاء ونزل منها بعض رُكّابها، ثم أقلعت من جديد وقد بقي على متنها 153 راكباً، من بينهم 11 طاقم الطائرة في اتجاه جزر القمر.
تحطم الطائرة
تكلم قائد الطائرة يخبر الركاب بأنه بدأ عملية النزول، لم تبق إلا دقائق معدودات وتحل الطائرة بالمطار بمدينة «موروني»، لقد انخفض علو الطائرة وهي فوق البحر استعداداً للنزول.
فجأة اهتزّت الطائرة مرة أولى ومرة ثانية، ثمّ سقطت بالمحيط الهندي، ويبدو عند ارتطامها بالبحر أنها تحطمت وتناثرت قطعاً قطعاً، هوت الطائرة العملاقة بكل ركابها وطاقمها في أعماق اليم.
كان الوقت ليلاً، لم تفهم بهية ما حصل بالضبط، تمسكت بقطعة من حطام الطائرة في ظلام حالك وسط الأمواج المتلاطمة، كانت تبحث عن أمها، سمعت أصواتاً وأنّات لم تفرز منها صوت أمّها.
في ذلك الوقت تناقلت وكالات الأنباء في كل أنحاء العالم خبر سقوط الطائرة اليمنية، وكان على متنها 153 راكباً بما في ذلك طاقم الطائرة.
ولم يكتب الله النجاة إلا لهذه الطفلة، التي بقيت ساعات طويلة متعلقة بقطعة متناثرة من الطائرة المنكوبة، إلى أن انتشلها قارب صيد.
الناجية الوحيدة من حادثة سقوط طائرة الإيرباص
ولأن بهية تقيم في فرنسا مع عائلتها المهاجرة من جزر القمر؛ فقد روت بعد نجاتها لصحافي فرنسي تفاصيل رحلة الموت في كتاب، صدر عن دار نشر باريسية تحت عنوان: «أنا بهيّة النّاجية من الموت».
جاء الكتاب كفيلم رعب؛ لما احتواه من سرد عن مشاهد مفزعة بقيت عالقة في مخيلة الطفلة بعد فقدانها لأمها التي لم تتجاوز الثانية والثلاثين من عمرها، والتي كانت محتضنة لها إلى آخر رمق، وآثرت الموت وهي تساعد ابنتها على الإمساك بما رأته حبل النجاة؛ متمثلاً في قطعة عائمة انسلخت من جناح الطائرة المنكوبة.
مرت الأعوام وبهية لم تنس لحظة من تلك المأساة، تتذكر الكابوس وتقول إنها أحياناً وهي في سرير نومها، تسترجع لحظة ارتطامها بماء المحيط.
ورغم كل المأساة التي عاشتها، عادت بعد عامين إلى جزر القمر على متن الطائرة للترحم على أمها في قبرها وتلاوة الفاتحة على روحها الطّاهرة.
واليوم هي طالبة درست سنة أولى طب، ثم غيرت مسارها الدراسي نحو العقار.
وقد أسست جمعية لضحايا الطائرة، ويتم دعوتها للكثير من البرامج الإذاعية والتليفزيونية للحديث عن هذه المأساة.