ريم وتغريد، فتاتان سعوديتان، نشأتا في أسرة بسيطة ميسورة، بين أُم تربي أطفالها بصبر، وأب يعمل في السلك العسكري وكله فخر واعتزاز بخدمة وطنه، وأمل في أطفال يعوضونه قسوة الحياة وشظفها، ولكم كان يحلم بالطبيب والطبيبة، والمهندس والمهندسة، يملؤون حياته فخراً وعزاً. ولكن هي الدنيا عندما تدبر، والأقدار عندما تحتم علينا مزيداً من الصبر والاحتساب، ليتحوَّل الأمل إلى ظلام كسا عيني بنتيه فاسودت الدنيا بعينيه.
«سيدتي» زارت أسرة الفتاتين، ريم وتغريد، الضريرتين، بحي غليل لتنقل مأساتهما لأصحاب القلوب الرحيمة.
ريم تروي مأساتها
في عام 1407هـ، رزق الوالدان بـ«ريم» الثالثة بين أخواتها، لتكتمل فرحة الأسرة وكلها أمل وتفاؤل، لكن شيئاً غريباً بعيني ريم أطفأ نور عيني والديها، فقد لاحظا بأنَّ عيني ريم غير طبيعيتين وبعد الفحص اتضح أنَّها تعاني من ضعف شديد بالعين نتيجة إصابة الأُم بضغط مرتفع أصاب الابنة بضرر في شبكيَّة العين.
وتروي ريم قصتها لنا بأنَّها كانت تشعر وهي طفلة بضعف في عينيها، وعندما بلغت السادسة من عمرها كان لا بد أن يكون معها مرافق ليتتبع خطواتها، وبالمقابل لم يدخر والدها جهداً وبشتى السبل في إيجاد وسيلة لعلاجها، ورغم حالتها كان مصراً على مواصلة تعليمها، لأنَّها تتمتع بعزيمة قويَّة لإكمال دراستها وبالفعل درست حتى الصف السادس الابتدائي «منازل»، لكنها وكلَّما تقدم عمرها كانت تفقد بصرها، وعندما بلغت الـ28 من عمرها أظلمت الدنيا في عينيها.
فاجعة الأسرة تتكرر
وبعد ريم، التي أصبحت همَّ الجميع وتحت رعايتهم، أطلت إلى دنيا الأسرة تغريد، ويا للفاجعة فقد أصيبت بنفس إعاقة أختها، ضعف شديد في النظر، ولنفس السبب ارتفاع ضغط الأُم، لتتضاعف المأساة، ويزداد الهمُّ، همُّ علاج ابنتين. وتروي تغريد لنا مأساتها: عندما بدأت أكبر شعرت أنَّ هناك من يشبهني في مصيبتي فكانت أختي ريم هي من تساعدني حتى وهي مصابة، فهي كما كانت تقول لي على دراية وخبرة في لمس الأشياء. أما التعليم فلم أبدأ به مبكراً مثل ريم، فقد كان الواقع محبطاً في صغري، فالمعلمات فقدن الأمل فيَّ، خاصة أنني كنت أكتب ببطء، فمللت الدراسة وها أنا أعود إليها بعدما بلغت الـ21 ، لكنني مصرَّة على مواصلتها رغم المعوقات.
موت الأب
وفوق مأساة الأسرة تروي لنا ريم حال والدها، الذي لم ييأس من علاجها هي وأختها فقالت: عندما بلغت الثامنة من عمري أصيب والدي ـ يرحمه الله ـ بفشل كلوي فتبرعت له أختي بكليتها، لكنَّه لم يستطع العمل فتقاعد مبكراً، خاصة أنَّه أصيب بجلطة في القلب، فساء حال الأسرة المكوَّنة من 12 فرداً، ولم يعد ما نحصل عليه من التقاعد يكفينا، وكما ترون منزل متهالك لا يصلح أن يعيش فيه كائن، دعك عن أسرة بهذا العدد.
البحث عن أمل
وعن رحلة علاجهما بعد وفات والدهما أوضحت ريم وتغريد، أنَّهما لم يفقدا الأمل في العلاج واسترداد بصرهما، لكن الأطباء أكدوا لهما بأنَّه لا بد من سفرهما للخارج وزرع شبكيَّة، لكن تكلفة العمليَّة باهظة. وهنا ناشدت كل من ريم وتغريد أهل الخير لمساعدتهما على إجراء العمليَّة في الخارج، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين.
وعن تعليمهما أوضحتا أنَّهما ذهبتا للجهة المختصة برعاية المكفوفين بجدة، لكنَّها طالبتهما بمبلغ 40 ألف ريال سنوياً، وهو أمر مستحيل، وأثناء حديثهما بكت ريم بحرقة شديدة وقالت: لقد فقدنا الأمل في الحياة والمجتمع، وبتنا نشعر بالمرارة والدونيَّة، فنحن أسرة تعيش أقسى الظروف، محرومة من أبسط مقومات الحياة، ويكفي أننا نعيش في بيت متهالك، نصبح ونمسي على أشلاء، لم يعد هنالك بصيص أمل في الغد، لكن كل أملنا في الله أن يرفع عنَّا ما نعاني منه وهو لطيف بعباده.
حلم كفيفتين
تتمنى كل من ريم وتغريد، بأن تكملان تعليمهما بالمجان، وحلمهما كل حلمهما أن تجرى لهما زراعة الشبكيَّة، فكل أملهما في الله ثم في خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأهل الخير من أبناء المملكة، وأن نجد منزلا لائقاً نعيش فيه، خاصة أنَّ والدتهما مريضة بالضغط.
وفي نهاية زيارتنا خرجت ريم وتغريد تتلمسان الطريق أملا في أن تفتح لهما أبواب الخير والأمل من جديد.