يواجه الأطباء السعوديون، الذين يباشرون حالات مصابة بفيروس كورونا الجديد «كوفيد 19»، تحديات لا حصر لها على المستوى المهني والشخصي والأسري.
لكنَّ هؤلاء الأطباء يُجمعون، على الرغم من كل ما يتعرضون له من صعوبات، على عدم الحديث عن المخاوف التي تجتاحهم؛ لكيلا ينشروا الخوف بين أفراد المجتمع، وحتى يبثوا في نفوس الناس مزيداً من الطمأنينة والراحة؛ خاصةً بعد أن حصد «كورونا» حياة آلاف الأشخاص في العالم.
«سيدتي» التقت عدداً من الأطباء السعوديين الذين يواجهون فيروس كورونا الجديد وجهاً لوجه، وسألتهم عن أبرز الصعوبات والتحديات التي تقف أمام أدائهم لمهمتهم النبيلة هذه، وكيف يقارعون بشجاعة فيروساً أرعب العالم كله.
لا أصافح أبنائي
«لم أتمنَ العزوبية قط كما أتمناها اليوم؛ فخوفي على أبنائي وزوجتي من نقل عدوى كورونا إليهم، يمثِّل ضغطاً نفسياً كبيراً عليَّ وعلى أسرتي؛ ففي كل صباح وأثناء خروجي من المنزل إلى المستشفى، أدعو الله أن يحفظني بحفظه؛ فأنا أخالط المرضى والكادر الصحي على مدار عشر ساعات تقريباً، وأعود إلى البيت ويدي على قلبي»، بهذه الكلمات التي تقطر حزناً وألماً، بدأ الدكتور خالد العتيبي، عضو هيئة التدريس في كلية الطب بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل واستشاري جراحات حصوات الكلى والمسالك البولية في مستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر، حديثه؛ مضيفاً: «في البيت، غالباً ما ألجأ إلى عزل نفسي عن أفراد أسرتي، ولا أستطيع أن أصافح، أو أقُبِّل أبنائي خوفاً من نقل العدوى إليهم».
وعن أهم الصعوبات التي تواجهه في عمله، قال الدكتور خالد: «الحرص هو الهاجس الوحيد الذي يلازمني أثناء أدائي عملي في المستشفى، وحرصي على مرضاي هو عبء نفسي آخر يثقل كاهلي؛ إضافة إلى حرصي على أن أعود إلى منزلي سالماً؛ خوفاً على أبنائي، وهذا الخوف يهيمن على كياني كله».
الالتزام بوسائل الحماية
بينما أكد الدكتور علوي شرف السعيدي، استشاري الرعاية الحرجة للكبار والتخدير ورئيس وحدة الرعاية المتطورة في إدارة العناية المركزة ومدير معمل المحاكاة في العناية المركزة بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية في الحرس الوطني والأستاذ المساعد في الرعاية الحرجة للكبار والتخدير في كلية الطب بجامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية، أن التعامل مع حالات الأمراض المعدية؛ خاصةً التنفسية منها، له أسس وإجراءات موصى بها من قِبل المنظمات الصحية الدولية، ووزارة الصحة، والمركز الوطني للوقاية من الأمراض ومكافحتها.
واستناداً إلى الخبرة السابقة في التعامل مع متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، أو ما يعرف بكورونا ميرس، تم وضع خطط ومسارات للتعامل مع حالات الالتهابات التنفسية، تبدأ بالتعرف على المرضى منذ دخولهم إلى الإسعاف عن طريق استبيان بسيط، وبناءً عليه يتم عزلهم فور دخولهم الطوارئ، ويستمر ذلك خلال دخولهم أجنحة التنويم، أو العناية المركزة.
وعدَّد الدكتور علوي أبرز التحديات التي تواجه الأطباء السعوديين الذين يعالجون مرضى فيروس كورونا الجديد «كوفيد 19»؛ كاشفاً أنها تتمثَّل في الالتزام بارتداء معدات الحماية الشخصية، وتعقيم الأيدي بالماء والصابون، أو المحاليل المعقمة قبل وبعد التعامل مع المريض؛ موضحاً أن سياسات المستشفى تفرض التدريب المستمر على هذه الاحترازات والإجراءات، ويشتمل التدريب على الجانب العملي، ومراجعة السياسات، والاختبار التحريري؛ مثنياً على اهتمام القطاعات المتخصصة في الدولة، ووزارة الحرس الوطني، بتوفير معدات الحماية الشخصية من أقنعة الوجه، ورداء الجسم، والخوذ الواقية لمَن لا تناسبهم هذه المعدات.
التعامل مع المصابين سهلٌ
وأشار الدكتور علوي إلى أن «التعامل مع المصابين دائماً ما يكون أكثر سهولةً من التعامل مع مريض يُحتمل أنه مصاب؛ ففي حال معرفتنا بإصابة مريضٍ ما، نستطيع التعامل معه وفق الإجراءات المحددة، وأخذ الاحتياطات اللازمة من حيث ارتداء معدات الوقاية الشخصية والقفازات وحامي العينين وتنظيف اليدين؛ إضافة إلى وضع المريض في غرفة العزل، واستخدام المعدات الطبية لذلك المريض فقط، وتقنين الدخول إليه حسب الاحتياج، ومنع الزيارة خلال فترة العزل»؛ مبيناً أن جميع المستشفيات في السعودية، وبتوجيهات من وزارة الصحة، لديها علم ومعرفة بالإجراءات الضرورية للتعامل مع مرضى «كوفيد ١٩».
اتباع التعليمات
وأوضح الدكتور علوي، أن الجميع يسأل: كيف يتعامل الطبيب الذي يباشر علاج مرضى كورونا مع عائلته؟ مبيناً أن هذا السؤال يشغل بال كثيرين من الكادر الصحي، وأجاب عنه بالقول: «التعامل السليم يبدأ من التزام الكادر الصحي بأساسيات التعامل مع مرضى العلاج التنفسي أثناء أداء عملهم في المستشفى ولا ينتهي هناك؛ فنظافة اليدين وغسلهما بالماء والصابون، من أهم خطوات الحماية للكادر الصحي وعائلاتهم في البيت، كما يجب الحرص على استخدام اللباس الطبي في المستشفى، وعدم أخذه إلى البيت، وأنصح كل مَن تظهر عليهم أعراض تنفسية بعزل أنفسهم في البيت بعيداً عن عائلاتهم، واتباع تعليمات وزارة الصحة بالاتصال بالرقم ٩٣٧، واتباع التعليمات؛ فأحد أهم الأمور في هذه الفترة الحرجة التباعدُ الاجتماعي، وأن يلتزم الشخص وعائلته المنزل، ولا يخرج منه إلا للضرورة، سواء إلى العمل أو قضاء الاحتياجات العامة».
كورونا سيصبح من الماضي
وبتفاؤل كبير، أكد الدكتور عادل بن سالم الحربي، أستاذ مشارك واستشاري طب الأطفال والأمراض التنفسية واضطرابات النوم، أن «فيروس كورونا سيصبح قريباً، من الماضي، مثل الحصبة والجدري والتيفويد واليرقان والطاعون، وقريباً سيرجع المعتمرون إلى الحرم، والمصلون إلى المساجد والجوامع، وقريباً سيعود الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم، وسينتهي العام الدراسي، وسنسمع أهازيج النجاح وأغاني الأعراس والحفلات، وغداً سيكون أجمل بإذن الله، علينا أن نتمتع بالأمل ولا نيأس من رحمة الله؛ فالفيروس سيبدأ بالانحسار إن شاء الله، وستزول الغمة عن الأمة، وسنستقبل رمضان مبتهجين مطمئنين إن شاء الله؛ فذلك نهج الأنبياء، بشروا ولا تنفروا، وعلينا جميعاً الإكثار من الاستغفار والدعاء واللجوء إلى الله، مع الحيطة والأخذ بالأسباب والوقاية، فاللهم احفظنا جميعاً وأحبابنا وأهلينا وجميع المسلمين».