«باب مراكش»، أشهر الأسواق القديمة في وسط مدينة العتيقة بالدار البيضاء، ويعد من أهم المقاصد الجاذبة بالعاصمة الاقتصادية التي يجد فيها سكان المنطقة ضالتهم لأي شيء يبحثون عنه، كما يوفر طلبهم بثمن معقول. واليوم يعرف ظاهرة لافتة، لم تعرف أكبر مدن المغرب مثيلاً لها من قبل، حيث أضحى السوق موطناً جاذباً لمهاجرات إفريقيات يعملن لتوفير لقمة عيشهن اليومية، بعدما تلاشت أحلامهم بالهجرة إلى أوروبا، وحوّلن ساحات السوق لصالونات تجميل في الهواء الطلق.
إفريقيات متضامنات من جميع الجنسيات؛ غينيا، النيجر، السنغال، الكونغو بشقيه، بأزيائهن المميزة بألوان فاقعة من أدغال إفريقيا، بابتساماتهن العريضة، وحركات أناملهن السريعة، يقضين ساعات نهارهن على أرصفة سوق باب مراكش بالبيضاء، وهن مستغرقات في عملهن الدءوب، إفريقيات تعففن عن مد اليد والتسول بشوارع وأسواق الدار البيضاء، وفضلن ممارسة مهنة الحلاقة على قارعة الطريق. فيهن متعلمات، وأخريات لم يزرن فصول الدرس يوماً.
نساء وحّد بينهن السعي نحو الرزق، يرتبن بكل ثقة أدوات العمل البسيطة، الكراسي والمستحضرات والأمشاط، يتبادلن فيما بينهن عبارات صاخبة بفرنسية ركيكة بلكنة إفريقية، ويحاولن إقناع كل من يدخل الساحة بخدمة من خدماتهن التجميلية الكثيرة.
الخدمات التي تقدمها الإفريقيات لا تصل أثمنتها إلى نصف الأثمنة التي تعرضها الصالونات الموزعة في الأنحاء الراقية بالدار البيضاء، فخدماتهن تتوزع بين تسريحة «الراسطا» الشهيرة على مختلف أشكالها. من 150 إلى 500 درهم، هو ثمن التسريحة الذي يُحدد حسب نوع الشعر، طويلاً أو قصيراً، والأهم ربح الوقت، فهؤلاء الإفريقيات الخبيرات، لا يتطلب منهم الأمر إلا دقائق معينة لإنجاز المهمة.
والأظافر الشفافة والرموش، تقلن إنها تدوم لأكثر من شهرين، إذا تم الحفاظ عليها، أما الخدمة التي لاقت رواجاً بين البيضاويات هي تركيب الرموش في أقل من عشر دقائق؛ لتصبح رموش الكثيرات أشبه بعيون نجمات شهيرات، والسرّ هنا في ساحة باب مراكش، والثمن فقط 100 درهم، حيث يتضاعف مرتين في باقي الصالونات.
تقول سكينة (22 سنة)، طالبة، إنها تفضّل القدوم إلى هنا؛ لأن الأثمنة زهيدة، والخدمات أفضل من الصالونات، كما أنها سريعة، ليس فيها عناء الانتظار بالمرة.
تقول ميكا، من السنغال، (32 سنة): «جئت إلى المغرب بعد أن وعدني أصدقائي بفرص العمل الكثيرة الموجودة هنا، لكنني فوجئت بواقع آخر مغاير لكل ما تخيلته، بحثت عن عمل لكنني لم أجده، لذا قررت أن أنضم إلى صديقاتي هنا بباب مراكش لتزيين النساء».
أما فاطيما (24 سنة)، من الكونغو، فلم يكن المغرب يوماً وجهتها، بل كان من المفترض أن يكون محطة عابرة، تمر عليه؛ لتصل إلى أوروبا، قبل أن تتبدد كل الأحلام، ويصبح المغرب بديلاً عن الوجهة الأصلية، بعد أن خذلها من وعدها بالهجرة إلى أوروبا. تقول: «لم أجد حلاً سوى العمل. عملت في المرة الأولى في تجارة الهواتف النقالة، وبعدها في الملابس الإفريقية، وأخيراً أنا هنا أعمل مع باقي صديقاتي الإفريقيات».
جئت للمغرب من أجل إتمام دراستي.. هكذا تقول ليزا، (28 سنة)، الحاصلة على دبلوم في التسيير الفندقي: «بعد عدة تدريبات ووظائف، بالعديد من المنشآت السياحية، بكل من أكادير ومراكش والدار البيضاء، قررت العمل بالتجارة، وتقديم خدمة «الراسطا» للراغبين بها، راتبي هزيل لم يعد يكفيني، لا يمكنني به حتى أداء (كراء شقة). الكثيرات من صديقاتي لديهن مؤهلات جامعية، جئن لاستكمال تكوينهن في مجالات متعددة؛ قانون، فندقة.. لكن ظروف الحياة فرضت عليهن تنويع مصادر دخلهن؛ حتى يستطعن تدبير مصاريفهن الشهرية».
الأمر يعتبر عادياً بالنسبة للوسيان، (30 سنة)، التي اعتبرت «الراسطا» تسريحة عادية تعبّر عن جمال المرأة الإفريقية، تسريحة تتقنها نساء القارة السوداء دون أدنى عناء؛ لكونهن تلقينها عن طريق الجدات والأمهات.
كاميليا أو كاميلا، كما تناديها صديقاتها، (مهاجرة سنغالية)، اعتبرت «تسريحة الضفائر المتناسقة» موروثاً ثقافياً إفريقياً.. وقالت: « ما نقدمه للزبونات صورة فنية من الصور الكثيرة التي تمتاز بها إفريقيا ويجهلها الكثيرون».
رأي سائح
جان (32 سنة)، من فرنسا، لم يخف إعجابه بـ«الراسطا»، ولم يتردد في تسليم شعره الطويل، لفاطيمة وشريكاتها؛ لتشكل منه ضفائر شقراء طويلة، على الطريقة الإفريقية، يقول لـ«سيدتي نت»: «أنا من المعجبين بتسريحة لاعب التنس البرازيلي «كوريتن»، لا يهمني أنهن يقمن بعملهن أمام أنظار المارة ما دام عملاً شريفاً، ما يهمني هو البساطة والتميز، ولو كان عبر أدوات متواضعة وبدائية خاصة بالتصفيف».
معلومة
بعدما كان المغرب في الماضي مجرد «بلد عبور» إلى أوروبا، ها هو اليوم، ووفقاً لأرقام جمعيات حقوقية، أصبح «موطناً» لما يتراوح بين 20 و25 ألفاً من المهاجرين الأفارقة.