رغم الحجر الصحي الشامل وحظر التجوال لمكافحة تفشي فيروس كورونا المستجد في إيطاليا، يطغى حب الموسيقى على حالة الحزن التي تعيشها البلاد بسبب الوباء الذي أجبر سكانها على البقاء في منازلهم، إذ وجد السكان في مدن مختلفة من البلاد في الغناء بشكل جماعي من شرفات منازلهم طريقة مبتكرة للتخفيف من الضغوط التي يعيشونها. حيث انتشرت ظواهر لافتة، أبرزها الطرق المبتكرة والملهمة والعجيبة التي تعاملت بها المدن والبلدان المختلفة مع الوباء، وأدت إلى ظهور «ثقافة الحجر الصحي» التي تميز طرق تعامل الشعوب المختلفة مع وباء كورونا المستجد.
المجال الفني
دافور كمبوتشيك ليس مرغماً على العزف داخل استاد كبير لتصل نغمات ساكسوفونه إلى آلاف الناس. فمن شرفته تدوي ألحانه الموسيقية عبر مدينة رييكا الساحلية الكرواتية التي تضم نحو 130.000 نسمة. وهو يعزف يومياً من هذه المنصة. فقط الجاهلون بالثقافة يتمنون لو كان كمبوتشيك يسكن في شقة تحت الأرض.
التدابير الجديدة التي فرضتها الحكومية الألمانية مؤخراً لمنع التجمعات، أجبرت الألمان على إقامة الحفلات في مكان واحد لا بديل له، وهو المنزل.
واستجابة لهذه التطورات، دشن اتحاد نوادي برلين الذي يضم 245 نادياً وقاعة حفلات، مبادرة بدعم من الحكومة لإقامة الحفلات يومياً عبر البث الحي لعروض منسقي الموسيقى من قاعات النوادي بينما يتابعه عشاق الحفلات من منازلهم.
وتقام الحفلات عبر الإنترنت من السابعة مساء وتستمر حتى منتصف الليل، ويحث موقع الاتحاد المتابعين على التبرع بالمال لدعم النوادي والفنانين الذين تأثر مصدر رزقهم بالحجر الصحي.
بينما الموسيقى الحية لا تنطلق فقط في رييكا من الشرفة. الأشياء القديمة والمحيط الحزين لا يزعج أعضاء فرقة الباروك من فرايبورغ. فهم يعزفون أغنية لودفيغ فان بيتهوفن Ode an die Freude ويشاركون بذلك في تجمع موسيقي مفاجئ على مستوى ألمانيا. والنموذج يبقى الحفلات الموسيقية على الشرفات في إيطاليا
أما في المجال الرياضي: سيباستيان مانكو مدرب رياضة في بوردو. وحتى يتمكن المقيمون في دار العجزة في المدينة الفرنسية من الحفاظ على لياقتهم البدنية خلال فترة الوباء، فإن مانكو يقوم بحركات رياضية معهم ـ عن بُعد هو آمن من المسنين الذين يهددهم كورونا بشكل خاص. هواء نقي، وليس هناك خطر عدوى.
هانس بيتر دورست رياضي كبير. وخلال الألعاب البارالمبية في ريو دي جانيرو أحرز ميداليتين ذهبيتين. ومنذ حادثة سير قبل 26 عاماً بات حس التوازن لديه مضطرباً. فمسافة الرؤية لديه مقيدة وقدرة رد الفعل كذلك. لكن بفضل الدراجة الثلاثية ليس هناك إشكال. فرغم كورونا يمكن لدورست ركوب الدراجة في شرفته الواسعة في دورتموند.
أما في مجال الطهي
أطلق العزل المنزلي الإجباري مع العائلة العنان لابداعات الإيطاليين وأثبت مدى بسالتهم في مواجهة المحن. وحتى الآن، لم ينتابنا الملل قط.
ويتوجه السكان يوميا في تمام الساعة 12 ظهراً للنوافذ والشرفات للتصفيق؛ تقديراً لجهود الفرق الطبية التي تعمل لمكافحة هذا الفيروس. وانتقلت هذه العادة، كشأن لوحات قوس قزح، من إيطاليا إلى إسبانيا وغيرها من الدول.
وابتكر الإيطاليون حلولاً للتأقلم مع توقف الحياة الاجتماعية. وبينما منعهم الحجر من الذهاب للمطاعم وحفلات العشاء، فقد حافظوا على تقليد «الساعة السعيدة»، بإقامة حفلات مع الأصدقاء وأفراد العائلة واحتساء المشروبات وتناول العشاء معاً عبر الإنترنت.
وبعد إغلاق المطاعم، تفجرت مواهب الإيطاليين في فنون الطهي، وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالوصفات القديمة التي أعاد الإيطاليون تحت الحجر الصحي اكتشافها من جداتهم. ولاقت هذه الحركة صدى واسعاً، إلى درجة أن الصحف الإيطالية طلبت من الإيطاليين إرسال وصفات وصور لأطباقهم المفضلة التي اشتهرت بها أقاليمهم لتنشرها على صفحاتها احتفاء بثراء المطبخ الإيطالي.
ودشن ماسيمو بوتورا، الذي يعد واحداً من أفضل الطهاة في العالم، برنامجاً يومياً من مطبخه في مدينة مودينا على موقع إنستغرام. ويحضر بوتوراً أطباقاً من المكونات المتاحة في خزانة المواد الغذائية أو الثلاجة، لإبراز براعة الإيطاليين في استخدام المواد المتوفرة في المنزل بدلاً من الذهاب للسوق كل يومين لشراء سلع جديدة.
ويعرض باتورا أفكاراً بسيطة للطهي مع العائلة في الحجر الصحي. ويقول: «كل ما نريده هو أن نثبت للعالم أننا من الممكن أن نستمتع بأشياء بسيطة، مثل طاولة طعام وبعض المكونات القليلة وتجمع العائلة».
ورغم العزلة، لم يتوان السكان عن مساعدة جيرانهم الذين يحتاجون للعون. بحكم الترابط العائلي في المجتمع الإيطالي.