أصبح من السهل على أي شخصٍ في عصر الـ«سوشال ميديا» نشر ما يرغب من فيديوهاتٍ، أو بث أخبارٍ، أو تقديم معلوماتٍ؛ ما دام أنه يمسك في يده هاتفاً ذكياً، ويمتلك صفحاتٍ في مواقع التواصل الاجتماعي.
وغالباً ما ينشر الناس أشياء توافق توجهاتها الخاصة؛ لذا لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال الوثوق بصحة هذه المعلومات ومقاطع الفيديو.
وقد زاد هذا الأمر من الشائعات في عالم الإنترنت، ولا سيما ضد المشاهير من فنانين ولاعبين وشخصيات المجتمع، مع التركيز في الوقت نفسه على دعم الشائعة بما يجعلها أقرب إلى الحقيقة والتصديق.
«سيدتي» التقت سعوديين وسعوديات، منهم مختصون في المجال، للحديث عن هذا الموضوع، وتأثير الشائعات في المجتمع، وكيفية توعية الناس بضرورة أخذ المعلومة من مصادرها الموثوقة.
مخاطر صحية
بدايةً، تحدثت الدكتورة فاطمة آل نصر الله، كاتبة رأي واستشاري مساعد في جراحة الوجه والفكين، عن الشائعات والأكاذيب التي تُروَّج في مجالها، مبينةً أن «ردة الفعل تختلف من شخصٍ لآخر على الشائعة الصحية، بحسب ظروفه ووضعه الصحي»، وقالت: «مع الأسف، كثيرٌ من الأشخاص تأخذهم العاطفة، ويتأثرون بأي حدثٍ صحيِّ وإن لم يكن واقعياً، ويتعاملون معه وكأنه إثبات علمي لا جدال فيه، كذلك الحال مع بعض الأدوية التي يُشاع أنها فعالة في علاج مرضٍ ما، حيث يُقبلون عليها، ما يؤثر سلباً في صحتهم، وقد مررت خلال عملي بمواقف عدة من ذلك بادعاء بعضهم -مثلاً- وجود دواءٍ يشفي من الشلل، أو يعالج ضعف المناعة؛ متأثرين بما يُروِّجه أهل الدجل وبائعو الوهم من شائعاتٍ حولها، كذلك الحال مع بعض علامات معجون الأسنان ولصقات التبييض التي تؤدي في الحقيقة إلى الإضرار بطبقة المينا، وهشاشة الأسنان، وحدوث التهابات في اللثة، إضافة إلى علاج التهابات الفم بوصفات شعبية دون مراجعة طبيبٍ مختص؛ ما يجعل حال المريض أسوأ بكثير، ومن الشائعات كذلك الاعتقاد بأن شم العطور بعد العملية الجراحية، أو وجود جرح مفتوح، يؤدي إلى حدوث التهاباتٍ على الرغم من عدم وجود أي إثبات علمي، يدل على ذلك».
وطلبت الدكتورة فاطمة من الجميع التأكد من هوية صاحب الخبر وطبيعة عمله وتخصصه قبل الأخذ بما يقوله، والبحث جيداً في صحة أي معلومة، وهل هي نتيجة دراسة معينة، أو مجرد أقاويل مجالس لا أكثر، وسؤال أهل التخصص حولها.
دعها تقف عندك
بينما أوضحت خلود عبدالعزيز، مشرفة تربوية، أنها تلتزم في مواقع التواصل الاجتماعي بشعار «دعها تقف عندك»؛ لكيلا تسهم في نشر الشائعة، وعن ذلك قالت: «كنت مثل أغلب فئات المجتمع، أقوم بتمرير أي مقطع فيديو يُرسل إليَّ عن طريق أحد برامج التواصل بين الحسابات المختلفة دون أي تحققٍ من صحته، بما في ذلك المقاطع الطبية، والخاصة بالخلطات الشعبية، إلى أن استخدمت قريبةٌ لي إحدى هذه الخلطات التي وردت في مقطع فيديو؛ ما تسبَّب في آثارٍ صحية خطيرة عليها، حيث صرت ألتزم بشعار دعها تقف عندك، وأتحقق من أي فيديو يُرسل إليَّ، ولا أمرِّر أي مقطعٍ لا يكون من مصدرٍ موثوق به، أو شخصيةٍ اعتبارية مختصة».
ونصحت خلود جميع الناس، قائلةً: «إذا أُرسِل إليك أيُّ مقطع فيديو، خاصةً لو كان عن موضوع صحيِّ، فدعه يقف عندك، أو تأكد من صحة المعلومات الواردة فيه من مصادر موثوق بها قبل تمريره إلى الآخرين؛ فالنشر دون تحققٍ يجعلنا نسهم في انتشار الخرافة والشائعة».
بدل غلاء المعيشة مثالٌ
كذلك، طلب خالد إبراهيم الحمدان، مسؤول تسويقٍ، مراجعة المصادر والجهات الموثوق بها قبل تمرير أيَّ فيديو أو خبرٍ، سواءً كان حول موضوع اجتماعي، أو طبي، أو حكومي، مؤكداً أن الوصول إلى هذه المصادر سهل جداً حالياً، وقال: «اليوم، يمكن لأي شخصٍ إنشاء حساب في أي منصةٍ من منصات التواصل الاجتماعي، مثل تويتر، ومتابعة الحسابات الموثوق بها، الحكومية وغير الحكومية، والتأكد من كل ما يسمعه ويشاهده؛ لذا يجب على الجميع الحرص على عدم تداول أي معلومة قبل التيقُّن من صحتها؛ لأن المعلومات المغلوطة ذات أثر سلبي كبير في المجتمع، ومثالٌ على ذلك موضوع بدل غلاء المعيشة؛ ففي كل فترة يُشاع خبرٌ حول إيقافه أو تمديده، خاصةً قبل إعلان الميزانية العامة للدولة».
وتحدث خالد عن شائعةٍ، صدَّقها في ما مضى، وأثَّرت فيه قائلاً: «هناك شائعةٌ، صدَّقتها قديماً، لا تغيب عن ذهني، وهي ماكينة سنجر؛ فمع الأسف لم يكن في مقدوري في ذلك الوقت التأكد من صحة المعلومات الواردة عنها بسبب عدم استطاعتي الوصول إلى المصادر الموثوق بها، إضافة إلى ضعف الوعي المجتمعي حينها؛ لذا حملت هذه الماكينة، مثل غيري، ونزلت إلى السوق بحثاً عن مشترٍ؛ لكسب مبلغٍ من المال أكثر مما تستحقه سنجر».
تجنب المشاهير
من جهته، ناشد أحمد الوادعي، ضابط، جميع الجهات، الحكومية وغير الحكومية، نشر كل ما يخصها من معلوماتٍ في المطبوعات الحكومية، وقال: «بعض الجهات الحكومية، تعتمد في نشر أخبار مداهماتها وحملاتها على المشاهير، كما تُبرز عن طريقهم أعمالها وإنجازاتها، وتتجاهل وسائل الإعلام الرسمية من صحف وقنوات تلفزيونية على الرغم من كونها جهات حكومية، تتبع مجلس الوزراء، ولها مراكز إعلامية مختصة! لذا، وتجنباً للشائعات، أطالب بأن تعتمد على وسائل النشر الرسمية في بث كل ما يخصها؛ حتى يطمئن المواطن للمعلومة ويثق بها».
جريمة جنائية
أما فهد الجعيدي، مستشار قانوني، فكشف عن خطورة نشر مقاطع الفيديو، أو الأخبار دون التأكد من صحتها، وحدَّد الإجراءات المترتبة على ذلك، مبيناً أن «انتشار مقاطع الفيديو أمرٌ حتمي، وظاهرة عالمية لا يمكن السيطرة عليها، خاصةً مع استمرار تطور التكنولوجيا، والأجهزة الذكية، وازدياد أعداد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ يتعرَّفون من خلالها إلى كل ما يجري من حولهم، وبالطبع هناك إيجابيات لهذا الأمر بالاطلاع على ما يحدث في العالم، وآخر مستجدات العلم والطب، ولاسيما حينما تصدر هذه المعلومات عن جهاتٍ وأشخاصٍ موثوقين بهم لا مصلحة لهم في ما ينشرونه سوى خدمة البشرية، لكن حينما يكون العكس بصدورها من أشخاصٍ لهم غايات سيئة؛ تصبح هذه التكنولوجيا ذات أثرٍ سلبي فينا، كأن يعمد بعضهم إلى تشويه سمعة شخصٍ أو أشخاص معينين، أو شتمهم، أو نشر معلومات خاطئة عن موضوع طبي أو علمي، أو استهداف بلدٍ أو مجتمعٍ ما بالتحريض ضده، والنيل من ثوابته الوطنية والدينية، والعمل على إثارة الفوضى فيه، وكل هذا يندرج تحت بند الجريمة الجنائية والأمنية التي أقرَّت الدولة عقوبات قاسية على مرتكبها وفق نظام الجرائم المعلوماتية، ومع الأسف، لا يعرف كثيرٌ من الناس مدى خطورة نشر، أو إعادة تداول هذه المقاطع دون التثبُّت من صحة ما يرد فيها، حيث يمكن للشخص، أو الجهة المتضررة مقاضاته وفق الأنظمة الرسمية في الدولة، وتحميله جميع التبعات، المعنوية والمادية، وعلى الجميع أن يعلم، أن بعض الفيديوهات تستهدف الإضرار بالمجتمع وعموم المسلمين، أو التعدي على الآخرين بفضحهم، وكشف أسرارهم، وأنها ذات آثار سلبية لا يمكن تجاوزها بسهولة».
وأكد الجعيدي أن «الإسلام حرَّم فضح المسلمين حتى لو كان ذلك بحُسن نية، يقول الله تعالى: «ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً»؛ لذا يجب علينا -نحن مستخدمي مواقع التواصل- التصدي للفيديوهات والأخبار المسيئة بإبلاغ الجهات المختصة عنها من خلال تطبيق كلنا أمن، وعدم تداولها في أي وسيلةٍ كانت حتى إن رصدت مخالفةً ما في مؤسسة معينة؛ ففي هذه الحالة يجب علينا إبلاغ السلطات المختصة بذلك بدل نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، وتوعية مَن يتداولون هذه المقاطع بخطورة ما يقومون به، والعقوبات المترتبة على ذلك».
ظاهرة اجتماعية خطيرة
في ما بيَّنت عالية الشمراني، اختصاصية اجتماعية ومستشارة أسرية، طريقة انتشار الشائعات وأثرها في المجتمع، قائلةً: «الشائعة ظاهرة اجتماعية خطيرة، تقوم على نشر أخبار كاذبة لا مصدرَ حقيقياً لها، وغالباً ما تنتشر بشكل سريع جداً عبر تناقلها من قِبل أفرادٍ في المجتمع، وأحياناً نادرة جداً تكون ذات أثر إيجابي، وتبدأ عادةً بإرسال شخصٍ ما مقطع فيديو، أو خبراً إلى فئة معينة، تقوم بنقله إلى آخرين بالصياغة نفسها، أو بعد تعديل جزءٍ منه حسب فهمها له دون التحقق من صحة الموضوع، أو مدى موثوقية المرسل، وهذا النوع من الناس هم أشخاصٌ عاطفيون، ينقلون أي شيءٍ يُرسل إليهم، في حين يقوم آخرون بالتأكد من مصدر المعلومة، وهوية المرسل، وهؤلاء أشخاصٌ عقلانيون، وهناك أيضاً شخصيات محايدة، تستقبل الخبر وتتفاعل معه، أو ترفضه وفي كلتا الحالتين لا تنشره».
ورأت عالية أن «الشائعة غالباً ما تهدف إلى نشر القلق والتوتر بين أفراد المجتمع»، مبينةً أن «مواقع التواصل الاجتماعي، تسهم كثيراً في انتشار الأخبار الكاذبة بسبب جهل ناشرها بالفكرة، أو تصديقه لها دون التأكد من مدى موثوقية مصدرها نتيجة الفراغ الاجتماعي، أو قلة الوعي الثقافي والفكري، وعادةً ما تنتشر هذه الأخبار بشكل سريع جداً إذا كان مَن يتلقاها يهدف إلى التأثير سلباً في المجتمع، أو الإضرار بالوضع الاقتصادي للبلد، أو عند الدعاية لموضوعٍ ما».
أصبحت ظاهرة
وأكد محمد هشام أبو القمبز، مستشار ومدرب في التسويق الرقمي، أن انتشار الشائعات بشكل كبير سببه الحسابات المزيفة في مواقع التواصل الاجتماعي، قائلاً: «مع ظهور كثيرٍ من الحسابات المزيفة التي لا تحمل هوية واضحة في مواقع التواصل الاجتماعي، ازدادت الشائعات كثيراً في المجتمع، وما فاقم الوضع عدم اعتماد كثيرٍ من الجهات على المصادر الرسمية الموثوق بها في نشر الأخبار، ويمكننا القول اليوم إن انتشار الشائعات بات ظاهرةً بكل ما تعنيه الكلمة؛ إذ أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي توفر منصات سهلة لكل مَن يرغب لنشر الأخبار ومقاطع الفيديو، والتأثير بها في الناس، أو النيل من أشخاصٍ وجهات معينة».