رداء وكمامة، غطاء رأس وقفازان، كلها تقف أمام أي تعابير وجه أو لفتة أو لمسة يد، لتجسد إنسانية من نوع آخر، فيها الحلو وفيها المر، إنسانية مطالبة ربما بما يفوق طاقتها، لكنها تكشف عن طواقم طبية فاجأت العالم بروعتها وقدرتها على عيش أصعب المواقف، وهي تأمل أن تعبر الموقف الآخر بسلام.
إنهم أطباء وممرضون وجهاز طبي كامل، التقتهم «سيدتي»، ضمن حملة "شكراً أبطالنا"، في قصص إنسانية ومعاناة يومية عاشوها مع مرضاهم، لدرء فايروس كورونا، وليخففوا عن مرضاهم وطأة هذا المرض الذي رفع يده ليوقف البشرية قائلاً: «أنا كوفيد 19».
من السعودية
3 ممرضات يروين آلام الفراق
وجه المصاب
لم تكن الأيام التي تعيشها الممرضة بشاير الشويكي، من مستشفى الملك فيصل التخصصي عادية، بل مليئة بالمفاجآت المحزنة، حيث تمتد فترة مناوبتها على مدار 8 ساعات، تتعامل فيها من يشتبه بإصابته بالمرض، في فترة يبلغ فيها ذروة التوتر، تعلّق بشاير: «أصعب موقف بالنسبة لي، هو النظر إلى وجه مصاب أخبره أن نتيجته إيجابية».
ابتعاد بشاير عن أهلها كان أحد العوامل النفسية القاسية، التي آلمتها، حيث تجنبت رؤيتهم خوفاً عليهم.
أنا وابنتي الرضيعة
عندما تضطر الأم لترك رضيعتها لمهمة إنسانية عظيمة، هنا نعرف عمق الحدث الجلل الذي نعيشه حالياً، فالممرضة رهف السمان، ذات الـ 29 عاماً من المركز الصحي للرعاية المستعجلة بالرياض. روت لنا ما يحدث معها في مناوبتها اليومية لأكثر من 12 ساعة، قائلة: «شعور القلق لا يفارقنا، لن أجمل الأمر وأقول أن الأمر طبيعي! فما يحدث يدعونا لأن نفكر ونقلق ونلتزم بالتعليمات، وقد ازداد قلقي عندما أصيب أحد زملائنا ممن يعملون معنا بفيروس كورونا».
صوت بكاء رافقته بحة في الصوت، ثم علّقت رهف قبل أن تنهي مكالمتها معنا: «بعدي عن ابنتي الرضيعة ذات الأربعة أشهر فقط، هو ما يرهقني، فأمي من تعتني بها حالياً لأنني لا أستطيع رؤيتها خوفاً عليها».
دعواتهم تسكنني
لابد من الخوف والقلق، لأن هذا الشعور الإنساني وضعه الله فينا كي نكون أكثر حذراً، شعور لم تلم الممرضة مودة باسندورة، ذات الـ 24 عاماً، مستشفى الملك فيصل التخصصي، نفسها عليه، تستدرك قائلة: «هذا الشعور يجب ألا يمنعنا من أن نكون إيجابيين، وهذه فترة مؤقتة طالت أم قصرت».
تشاركنا مودة، أكثر المواقف التي أثرت بها خلال ممارستها لعملها فتقول: «إن الدعوات الجميلة على شفاه المرضى تنطلق كالبلسم من ألسنتهم، هي أكثر مايؤثر بي، وهم بالمقابل يدعمونني، أستطيع أن أصف ما نحن فيه بأنه هم مشترك فكورونا بالرغم من خطورته جعلنا أكثر إنسانية وتوحداً».
آثرت مودة، أن تحجز غرفة في فندق وتسكن بعيدة عن أهلها من أجل أن تحميهم، فقدرها، كما تقول، أن تكون في خط المواجهة الأول ضد الفايروس.
من الإمارات
لغة العيون تحكي تفاصيل الألم
تعودت ميسون الحاج خليل، مديرة التمريض في مستشفى الزهراء، أن تتواجد وراء مكتبها، أو عبر هاتفها ومن خلال جولاتها الميدانية، واجتماعاتها، حيث كانت تتواصل مع فريق الممرضات، لكن الظروف دعتها، كغيرها من أصحاب المعاطف والأيادي البيضاء، لتهرع كل يوم في أروقة المستشفى، وغرف الإنعاش، كانت تتحدث إلينا بغصة ملأت صوتها حزناً عبر الهاتف، قصص وقصص واجهتها، روت لنا إحداها، وقد كانت لعائلة فرنسية، في زيارة لدبي، تقيم في أحد الفنادق.
حيث تلقت المستشفى مكالمة هاتفية من إدارة الفندق، وطلبت منهم الحضور فوراً فحرارة الأم، 36 سنة، لم تكن عادية، وقد تم ترجيح أنها مصابة بفيروس «كورونا» من دون عائلتها، فتم إرسال سيارة إسعاف لأخذها، وبالفعل كانت نتائج تحليلها إيجابية، ووضعت في غرفة العزل.
مشكلة هذه العائلة أنها لا تتكلم اللغة الإنكليزية، لكن السفارة الفرنسية، أرسلت مترجماً للتواصل مع الأم. تستدرك ميسون: «اتصلت بي المترجمة، وأخبرتني أن الفندق منع الأب من التواصل مع الأم، وقد كان خائفاً على طفليه، وعمرهما 6 سنوات و4 سنوات، من أن تكون العدوى قد انتقلت إليهما، فاتصلت بمدير الفندق، وتوصلت معه لاتفاق، بأن نرسل لهم سيارة إسعاف، مرفقة بكل الإجراءات الصحية، حيث يجب إخضاعهم لفحص الدم، وبعدما أخذنا العينة، فوجئنا بأن الأب حامل للفايروس».!
تم عزل الأبوين في غرفتين مفتوحتين على بعضهما، بينما أحيط الطفلان بالعناية، من ممرضات المستشفى، وبعد فحصهما، أيضا فوجئ الطاقم الطبي بإصابتهما! تستدرك ميسون: «فتحنا جناحاً vip للعائلة كلها، تتوفر فيها شروط السلامة، واستمرت العناية بالطفلين".
تحولات الفايروس، تجعل النتائج غير ثابتة، وهذا ما يعرّض الطاقم الطبي للخطر، لأن التحليل الأول قد لا يعطي النتيجة الحقيقية، تعلّق ميسون: «لا بد من الحصول على 3 نتائج سلبية متتالية، للتأكد من سلامة المريض».
العائلة، لم تكن مغطاة بتأمين صحي عندما أتت لزيارة دبي، لكنهم خضعوا للعلاج المجاني في المستشفى، كانوا ممتنين كثيراً بعد علاج استمر لـ 10 أيام، تملكهم وتملك الفريق الطبي الخوف على سلامتهم، تعلّق ميسون: «أكثر ما أثر في هو أنهم في ذروة تعبهم، كانوا ينظرون إلى الطاقم الطبي، من دون القدرة على التعبير، إلا بالعيون، شعور الغربة لم يكن سهلاً على العائلة بأكملها».