أحمد حسن مشرف، كاتب بدأ مشواره في الكتابة عبر منصات التدوين الإلكتروني، ولمع بريق اسمه في سنوات قليلة، آمن بالروتين المنجِز وثورة الفن والإنسان، وبات ينقل الحقائق والأفكار العملية لشباب جيله ومن يتابعونه.
يعتقد أنّ الثورة المعلوماتية والمنصات الحديثة تحمل فرصاً عظيمة، كما تحمل بين طياتها وهماً! ويرى أنّ الكتابة وسيلة للتعبير المستمر؛ فبرع في مخاطبة العقل قبل الوجدان.
ولنتعرف إليه أكثر، كان لنا معه الحوار الآتي:
•• بدايةً، ما الذي يجعل الكاتب استثنائياً، من وجهة نظرك؟ ومن هم الكُتّاب الملهمون الذين أضافوا بُعداً إيجابياً لمسيرتك في الكتابة والتأليف؟
- أتمنى أن أكون من مستحقي هذا اللقب يوماً ما! في رأيي يجب أن يعتمد أي كاتب على صِفتين مهمتين في كتاباته: الأولى هي التحدث بصراحة مطلقة وذِكر الحقيقة من وجهة نظره، أو كما وصفها د. علي الوردي: «مهمة المثقف أن يقول الحقيقة لا أن يرسم الكلمات»، والثانية هي استخدام العبارات البسيطة والسلسة والمتداولة؛ بعيداً عن المصطلحات الصعبة والنخبوية، وهاتان الصفتان يستشعرهما القارئ بسهولة، أو كما تقول أحلام مستغانمي: «لا يبهرنا الكاتب بتفوقه علينا، بل لأنه يدهشنا بتشابهه معنا»، والتشابه هنا يُختزل في المفردات والقصص، والحقيقة التي تحاكي الآخرين.
ويؤسفني القول، إنّ معظم الكُتاب الذين أثروا في حياتي هم كُتّاب أجانب، منهم الروائي ستيفن كينج، والكاتب سيثجودين، وريان هوليدي، والفيلسوف المعاصر آلان دو بوتون.
«حرب الفن»
•• كتاب تمنيت لو أنّك لم تقم بتأليفه؟ وآخر تمنيت لو أنّك أنت من قام بتأليفه؟
- أحد إصداراتي يحمل اسم «مدوان»، يتحدث عن العمل والفن وسيكولوجيا الإنسان، وهو كتاب مقالات، للأسف مبيعاته قليلة، رغم إيماني بمحتواه، وأعتقد أن السبب يعود لكونه كِتاب مقالات، وهذه النوعية من الكتب لا تلقى الرواج المأمول، أما الكتاب الذي تمنيت أن أكون مؤلفه فهو: «حرب الفن» للكاتب ستيفن بريسفيلد.
•• لماذا تكتب؟
- الكتابة بحد ذاتها، بالنسبة لي، ليست الأهم، إنما التعبير المستمر عن الأفكار والمشاعر، لذلك وجدت نفسي بالصدفة عام ٢٠١٣م «بعد أن فُضت شراكتي بعمل ما، ومروري بظروف سيئة»، أنّ ضالتي في الكتابة، وأعتقد أنني إن لم أختر الكتابة كوسيلة للتعبير، لكنت أحد الشباب المليئين بالعُقد والصمت.
الكتابة من وجهة نظري أيضاً، تُعلم الإنسان التفكير النقدي، وترتيب الأفكار قبل إخراجها للآخرين، فعلى الأغلب تجد الكاتب الجيد متحدثاً جيداً؛ لأن نموذج ترتيب الأفكار واحد.
كاتب تطوير ذات
•• كيف تُصنف نفسك؛ كاتب في تطوير الذات، أم كاتب في مجال الأعمال، أم مجرد كاتب قد يكتب ما يهوى؟
- سؤال صعب، حتى وإن ادعيت أنني كاتب تطوير ذات؛ فهذا التصنيف فيه نوع من الإجحاف؛ لأنني أتبع المدرسة التي لا تُركّز كثيراً على العواطف مثل معظم رواد تطوير الذات، العِلم والمعلومة والمصادر والبحث والحقائق هي ما يُغريني دائماً عندما أكتب أي شيء، وربما يلاحظ القارئ الكريم هذا الجهد في المراجع التي أحرص على ذِكرها في جميع كُتبي ومقالاتي، وبالرغم من طبيعتي العاطفية، لم يغلب ذلك على كتاباتي للآخرين.
•• تطرقت في كتابك «وهم الإنجاز» إلى فكرة، وهي: «الرغبة في الحصول على المكاسب السريعة دون بذل مجهود كبير»، ما الفرق بينه وبين ما تسعى إليه بعض الدراسات الحالية من تعزيز فكرة الحصول على المال بأقل مجهود؟
- طبيعة الإنسان تقوده دوماً للبحث عن المكاسب السريعة دون بذل مجهود كبير، إنما الزاوية الأخرى التي حاولت لفت النظر إليها، هي أننا بحرصنا على تطبيق هذا المفهوم: «محاولة الكسب المادي أو الحصول على المكانة الاجتماعية دون بذل مجهود حقيقي يجعلنا نستحقها»، سنكون مثل العامة التي تحرص على تصوير نفسها كل يوم وبشكل منتظم على قنوات التواصل؛ فإخبار الآخرين أننا مهمون ونستحق التقدير والحب والاحترام والمال شيء، والعمل للحصول عليها شيء آخر، أميل إلى الفكرة التي تقول إن استيعاب طبيعتنا التي تميل للكسل هي نصف الحل، والنصف الآخر يكمن في العمل المستمر ودون توقف.
الثورة المعلوماتية
•• ترى أنّ العصر القادم هو ثورة الفن في جميع المجالات، اشرح لنا هذا بإيجاز..
- كنّا نعيش في عصر «الثورة الصناعية»؛ حيث كان معظم سُكّان الدول المتحضرة يعملون في المصانع، بغضّ النظر عن الكفاءة العقلية، ونعيش اليوم في عصر «الثورة المعلوماتية»؛ حيث إن قيمة الإنسان ترتفع طردياً مع حجم المعلومات التي يمتلكها ويستطيع أن يعكسها على عمله اليومي؛ فدخل الطبيب أعلى من الموظفين العاديين، ودخل مطور التطبيقات الناجحة يفوق بأضعاف راتب الطبيب في حالات كثيرة.
ثورة الفن، هي العصر القادم؛ حيث إن الإنسان سيصل إلى مرحلة من الرفاهية تُخوّله باختيار عمله كما يختار الفنان؛ فالملحن والمغني والرسام لا يستأذنون مدراءهم قبل الشروع في تأدية عملهم؛ بل يستيقظون من النوم للقيام بالعمل!
بنيت هذه الفرضية بعد بحثي عن حالة إنسان المستقبل، الذي سيعيش بين كثير من المهام العملية التي ستُغطى بوجود الآلات؛ فلن يبقى إلا الأداء الإنساني الاستثنائي في الصورة، وها هي ثلاثة أرباع المعاملات التقليدية اليوم أصبحت ممكنة بدون تدخل العنصر البشري.
قدوات في عالم مختلف
•• تعتقد أنّ الكاتب ينبغي أن يكتب ما يستطيع قراءته مستقبلاً، ولكن ماذا عن معالجة الواقع؟
- أُفضِّل أن أكون من فئة الأشخاص الذين لا يمجّدون الأجيال السابقة وقصصهم الرنّانة، وأنهم الأفضل ويجب أن نقتدي بهم في جميع شؤون الحياة، وهذه القناعة تقودني دوماً للبحث عن قدوات في عالم مختلف؛ كالبحث عن أفضل التجارب الحالية، حتى وإن كانت في مجتمعات أخرى مختلفة عنّا جذرياً، أو بالبحث عن نُسختنا الأفضل في المستقبل، والواقع لا يُعالج إلا بالبحث عن الأفضل في التجارب والتخطيط لنُسختنا الأفضل مستقبلاً.
•• ما رأيك في دورات تطوير الذات والتنمية البشرية الشائعة اليوم بشكل كبير؟ هل تتفق مع المبادئ التي يتمّ طرحها، خاصةً أنّها أصبحت عُرضة لانتقاد البعض؟
- لستُ من روادها ولا من مشجعيها، والسبب يعود لأن مفهوم تطوير الذات بشكلٍ عام، يميل إلى تحفيز العاطفة وليس المفهوم «العملية»؛ فمن السهل أن تحفز شخصاً -مؤقتاً- بالقليل من الكلام الساحر، ولكن من الصعب أن تقنعه عملياً وتضمن له بناء عادة صحية جديدة، يمكن بعدها أن تستمر بقية العمر.
شبكات التواصل الاجتماعي
•• شبكات التواصل الاجتماعي، وما حملته للمجتمعات العربية من تغيير في جميع المجالات والميادين، هل ترى أنّها تُسهم في تغيير الإطار المعرفي بطريقة أفضل، وتدفع عجلة التطور للمجتمع والفرد بشكل سريع؟
- المشكلة الكُبرى في التواصل الاجتماعي؛ أن زوارها يميلون للتفاعل مع الأفكار والأحداث غير المهمة، أكثر من محاولاتهم لنشر ما يستحق الاطلاع، بل إن تابعتِ المفكرين ورجال الأعمال والمنجزين على المستوى العالمي؛ فستجدين أن مشاركاتهم في التواصل الاجتماعي ليست كمشاركاتهم من خلال أعمالهم على أرض الواقع؛ فتجدين مثلاً بعض الكُتاب والروائيين المعروفين، يحرصون على تصوير حيواناتهم الأليفة وأطفالهم، وإخبار الآخرين برأيهم في آخر فيلم شاهدوه، وهذه النسخة منهم لا تحاكي إبداعهم شديدَ التركيز وإنجازَهم من خلال صناعتهم لمحتوى كتابي عالي الجودة كالروايات والكُتب، وقيسي على ذلك بالنسبة لباقي المفكرين، ورجال الأعمال، والسياسيين، وغيرهم.
شهرة التواصل الاجتماعي للمفكرين هي التأثير الجانبي، وليست المسبب لهذه الشهرة.
•• منصات الكتابة والتدوين الحديثة، بالإضافة إلى الثورة المعلوماتية الهائلة، هل ساهمت فقط في رفع عدد الكُتّاب، أم أنّها أثرت المحتوى العربي بجودة الكتابة والكتابة الإبداعية؟
- الجميع يحتاج للفرص، وقديماً كان الكاتب الشاب لا يستطيع أن ينشر شيئاً دون موافقة دور النشر أو الصحف، وها هي منصات التدوين اليوم حلّت هذه الأزمة، ومثلها يوتيوب مع الفنانين والطبّاخين، وغيرها من الأمثلة والمنصات، والميزة والعيب هنا؛ أن التحدي يكمن دائماً في نقص المحتوى الجيد، فالكثير من الكُّتاب قد تُصاب أعمالهم بمراحل تصحيحية عديدة في مسيرتهم، ويبقى العمل الأكثر إبداعاً في الساحة لفترة أطول، وهنا يجب أن يكمن الهدف، المسألة والتحدي في البقاء، وليس في العدد، والبقاء للأقوى وليس لصاحب الصوت الأعلى.
الحياة قصيرة
•• تحدثت عن عمر الثلاثين في مقالة مميزة، واختتمتها قائلاً: «الحياة حتى تصل إلى الثلاثين مميزة، وما سيتبعها أكثر تميزاً كما أعتقد»، هل يحتاج الفرد عند وصوله لهذا العمر، إلى وقفة مع الذات، كما يتردد كثيراً على ألسنة الكثيرين، وما نصيحتك للشباب أو الفتيات عند الوصول إلى هذا العمر؟
- يملك صاحب عمر الثلاثين بلغة الخبرة البعض منها، ويملك بلغة الأرقام اقتبال العمر أمامه، وإن كانت هناك نصيحة واحدة فقط؛ فهي أن يحرص صاحب هذا العمر على أن يختار روتينه اليومي الذي يتمناه لنفسه، أو كما قالت الكاتبة آن ديلارد: «أيامك التي تصرفها، هي حياتك التي ستعيشها»، وأجد أن الحياة أقصر من أن تُصرف في عمل أو يوم لا نُفضّل أن نعيشه.
مؤشر رائع
•• رأيك حول ارتفاع إقبال الزوّار على معارض الكتب في المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة؟ هل ترى في ذلك مؤشراً إيجابياً على ارتفاع الوعي المجتمعي وزيادة الشغف بالقراءة؟
- أحمد الله أن الكتب مازالت تقارع التواصل الاجتماعي، ومفاجأتي الشخصية هنا أن عدد القراء ذوي الأعمار الأقل من الخمسة والعشرين كثير جداً، وهذا بالتأكيد مؤشر رائع، أتمنى أن يستمر زخمه.
•• أصعب ما يواجهه الكاتب/الكاتبة السعودية؟
- التأثر بالعاطفة، والاقتناع بأن الكلمات الرنانة والشاعرية هي التي تجذب القارئ، وهذا غير صحيح.
•• حدثنا عن مشاريعك القادمة؟
- كتابي القادم «مئة تحت الصفر: عمار أحمد شطا.. تحولاته ودروسه وعن مستقبل الأجيال»، وهو كتاب عملت عليه قرابة خمس سنوات، وسيصدر مع نهاية شهر أغسطس ٢٠١٩م إن شاء الله، وقد وثّقنا فيه تجربة رجل الأعمال القدير ومؤسس شركة «الخبير المالية»، الأستاذ عمّار شطا.
بطاقة تعريف
- أحمد حسن مشرف، مدوّن ومؤلف سعودي، وشريك في بعض المشاريع الصغيرة.
- يمتلك مدونة إلكترونية تحمل اسمه.
- لديه العديد من الإصدارات، منها: «ثورة الفن، وهم الإنجاز، مدوان».