هزَّ انتشار خبر اغتصاب طفلة مغربية بعمر ست سنوات من مدينة طاطا المغربية الواقعة جنوب شرق المغرب من قبل رجل أربعيني، الرأي العام. وأحدثت أنباء عن تنازل والد الضحية وإطلاق سراح المتهم موجة غضب واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، إزاء ما اُعتبر تساهلاً في قضايا اغتصاب الأطفال.
بداية القصة
يعود تاريخ هذه الحادثة إلى يوم الخميس الماضي، حينما قصدت طفلة مغربية تُدعى إكرام منزل أحد جيرانهم للعب مع بناتهم، وهناك استغل المشتبه به المفترض الفرصة لاستدراج الطفلة وأقدم على اغتصابها.
ودشن مغردون وسم «كلنا_إكرام» للتضامن مع الطفلة والمطالبة بقوانين أكثر صرامة، وعدم التساهل مع مرتكبي جرائم اغتصاب القصّر.
وأكد آخرون على ضرورة تقديم «الدعم النفسي للطفلة ومؤازرة أسرتها في هذه الظروف الصعبة».
في المقابل اختار عشرات المواطنين بالمنطقة، حيث تقطن الضحية الخروج للاحتجاج رغم إجراءات الحظر الصحي، معتبرين أن «وباء الاغتصاب» لا يقل خطراً على وباء كورونا.
مشاهير دخلوا على الخط
شيوع خبر تنازل والد الطفلة إكرام عن القضية قوبل باستنكار واسع أيضاً، واعتبره عدد كبير من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي والمشاهير جريمة أخرى اُرتكبت في حق الطفلة، ودعوا إلى فتح النقاش حول مسألة سماح القانون لأولياء الأمور بالتنازل عن حق أطفالهم.
وفي هذا الصدد كتبت الإعلامية المغربية عزيزة نايت سي باها في تغرديتها التالية على موقع «تويتر» جاء فيها: «باسم أي إنسانية يهتك عرض طفلة صغيرة، ينهش في لحمها وحش يعترف بالجريمة، ويُخلى سبيله لأن والدها سامح في حقها؟ أليس للعدالة أن تحمي الضحية، حتى وإن كان كل من حولها لا يأبه لتدمير حياتها؟ كيف لأي بنت أن تحس بالأمان إذا كانت حياتها في أيدي رجال لا يحاسبهم القانون؟».
فيما نشرت سناء عكرود تدوينة مطولة عبر حسابها على تطبيق الصور والفيديوهات جاء فيها: «عندما تقرر أن تنجب طفلاً، فإنك تحضر للوجود كياناً بتركيبة نفسية حساسة، مسؤوليتك الأولى هي تشكيلها، حمايتها، ضمان أمنها واتزانها، عندما تقرر أن تقحم كائناً بشرياً في هذا الوجود، فأنت ملزم، وواجبك الأول ومهنتك كأب وأم ومجتمع أن تحمي هذا الطفل».
وأضافت: «إطلاق سراح مغتصب الطفلة إكرام هو خرق للقانون الكوني. اغتصاب الأطفال جريمة إنسانية تستوجب أقصى العقوبات الردعية الصارمة وعقاب غير رحيم في حق الأب والمغتصب، حق الطفلة إكرام هو حق كل أطفالنا. للأسف.. للأسف».
استنكار شعبي
واستنكر «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» بجنيف، في بيان له «الفعل الشنيع الذي تعرضت له الطفلة»، وأضاف البيان أن «إعفاء الجناة من إيقاع العقوبة بتنازل ولي الضحية يفتح الباب أمام ازدياد حالات الاعتداء على النساء لاسيما القاصرات منهن، ويرسّخ مبدأ الإفلات من العقاب في مثل هذا النوع من الجرائم».
«مراكز شبكة الرابطة أنجاد ضد عنف النوع، وشبكة نساء متضامنات»، تابعت هي أيضاً في بيان لها توصلت به سيدتي، استياءها وقلقها جراء خبر الاعتداءات الوحشية والجرائم الشنعاء التي كانت من ضحاياها الطفلة إكرام وطفلتان لم تتجاوزا الثالثة عشرة من عمرهما في كل من مدينة «تمارة» ومدينة «الفقيه بنصالح» (إحداهما حامل). وطفلتان قاصرتان لا يتجاوز عمرهما ست سنوات من خلال تعرضهما للعنف والاغتصاب. وأشار البيان إلى أنه قد تكون هناك حالات أخرى غير معروفة في مناطق مختلفة، قد لا ترغب في الخروج للرأي العام. وأعلن في المقابل تضامنه المطلق مع الفتيات ضحايا الاغتصاب وأسرهن وإدانته واستنكاره بشدة لهذه الأفعال الإجرامية التي هزت الرأي العام المغربي، كما اعتبر قضية هؤلاء الفتيات قضية المجتمع المغربي برمته، كما طالب النيابة بمتابعة الجناة وتوفير العناية تجاه الطفلات الضحايا والتكفل بهن وجبر الضرر لهن ولأسرهن. باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الحق العام، ولا يمكن وضع حد له بالتنازل والصلح، خصوصاً في جرائم العنف والاغتصاب.
وقال رئيس جمعية منتدى الطفولة، عبدالعالي الرامي، إن على القضاء توفير الحماية للأطفال من الاعتداءات بمختلف أنواعها، سواء التي تُمارس عليهم من قبل أسرهم، أو من آخرين، موضحاً لـ«سيدتي نت» أن «الترسانة القانونية متوفرة، لكن يبقى السؤال حول مدى تفعيلها من قبل السلطات المختصة بتنفيذ القانون، لأن التساهل مع مثل هكذا حالات يفتح المجال أمام انتهاكات أكبر لمثل هذه الفئة الضعيفة من المجتمع».
وتابع الرامي موضحاً أنه لا يجب أن نُهمل الجانب النفسي للطفلة التي تحتاج إلى المواكبة النفسية لها، وكذا للجاني الذي من المحتمل، بل الأكيد يحتاج أيضاً لمراجعة نفسية داخل السجن، لأنه لا يمكن أن يكون الشخص الذي ارتكب الجرم إنساناً طبيعياً».
من جهة أخرى أكد الرامي أن هناك ضحايا أخريات لم يجدن، لسوء حظهن من يندد بما تعرضن له، للمطالبة بعقوبات قاسية تحد من جرم وحوش آدمية تنهش أجساد طفلات لا ذنب لهن سوى إهمال أسري يضع ثقته في «الجار».
في نفس السياق اعتبر رئيس جمعية منتدى الطفولة أن احتجاج الساكنة على ما وقع للطفلة وخروجهم في مظاهرات لأمر يثلج الصدر، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الساكنة كانت أحرص على الطفلة من أهلها، وهذا حسب الرامي مؤشر إيجابي على روح المواطنة والدفاع عن الشرف.
وطالب الرامي في الختام تكثيف الوصلات الإشهارية أو حتى الرسوم المتحركة والتي تبين للأطفال كيفية التصرف وتجنب مثل هذه المآسي.
عائلة المتهم لها رأي آخر
زوجة المتهم في حديثها لوسائل الإعلام المحلية قالت: «إن الواقعة إن كانت فعلاً صحيحة فقد مر عليها أكثر من أسبوع، وتساءلت كيف أن والدة الطفلة لم تلحظ شيئاً»، لكن في نفس الوقت قالت: «إن والدة الطفلة زارتهم في المنزل وقالت لهم لا تهتموا بالأمر، فوضعية الطفلة ليست كما أعلن عنه سكان المنطقة، لذا تم التنازل من طرف والدها وعن طواعية».
شقيق المتهم قال إن قضية أخيه أخذت أبعاداً كبرى وشكك أن هناك هدفاً وراء هذا التجييش الإعلامي ضد أخيه، وطالب بحكم عادل، كما وأكد أن الطب في المغرب متطور، فبتحاليل وكشوفات يمكن أن نعرف إن كان هناك فعلاً اعتداء، حينها سوف أطالب بمعاقبته، يضيف شقيقه ولن يخاف في الله لومة لائم. لكن في حالة ما إذا اكتشف العكس، فأخوه حينها يستحق رد الاعتبار أمام سكان منطقته والعالم أجمع.
عنف خلال الحجر
وكانت جمعيات نسائية مغربية قد وجّهت قبل شهرين، تحذيراً للسلطات، جراء ارتفاع وتيرة العنف الممارس ضد النساء، خلال الحجر الصحي، الذي فرضه المغرب، للتصدي لانتشار فيروس كورونا المستجد.
وقالت عدة جمعيات في رسالة إلى وزيرة المرأة والتضامن، ووزير الصحة «إن معدل العنف اتجاه النساء جد مرتفع، ومن المرجح أن تزداد وتيرته تصاعداً، بسبب التوترات التي بدأت تظهر جلياً داخل الأسر نتيجة الضغوط النفسية المرتبطة بوضعية الحجر الصحي، وهو ما استجابت له الوزارة بشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، وفي إطار برنامج التعاون البلجيكي، بإطلاق حملة تحسيسية رقمية تبث رسائل تساعد على التغلب على الإكراهات النفسية خلال مدة الحجر الصحي، وبث الوعي بضرورة استثمار السياق الحالي لتعزيز قيم العيش المشترك، والمسؤولية المشتركة بين الزوجين، والتربية الوالدية، مع التذكير بأن العنف اتجاه النساء والفتيات مجرم وليس له مبرر في مختلف السياقات، بل على العكس، فإن اللجوء إليه في هذه الظروف قد يكون مدعاة لتشديد العقوبات».
كما أطلقت الوزارة كذلك، مبادرة دعم وتطوير الخدمات الموجهة عن بعد لفائدة النساء ضحايا العنف، والتي يمكن أن تقوم بها الجمعيات وشبكات مراكز الاستماع الشريكة للوزارة، من أجل مواكبة النساء في وضعية صعبة خلال هذه المرحلة الحرجة، وتطوير الخدمات عن بعد، ومواكبة النساء ضحايا العنف في جميع أنحاء التراب الوطني.
وفي المغرب، يؤكد تقرير فدرالية رابطة حقوق النساء حول حصيلة العنف ضد النساء خلال الحجر، حيث سجلت ارتفاعاً بنسبة 91، 7 في المائة بخصوص النساء اللواتي تعرضن للعنف الزوجي، و4، 4 في المائة بنسبة للعنف الأسري.
كما يفيد تقرير للمندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية للإحصاء) بأنّ المنزل يُعَدّ من أكثر الأمكنة التي تتعرّض فيها النساء المغربيات للعنف، بنسبة 52 في المائة (6. 1 ملايين امرأة). ويشير التقرير نفسه إلى أنّ من بين 13. 4 مليون امرأة مغربية تتراوح أعمارهنّ ما بين 15 عاماً و74، أكثر من 7. 6 ملايين امرأة وهو ما يُمثّل 57 في المائة من النساء، تعرّضنَ لنوع واحد من العنف على أقلّ تقدير.