شكلت مدينة شفشاون المدينة الجبلية «شمالي المغرب»؛ حالة استثنائية في زمن الجائحة العالمية، حيث لم تعرف أي إصابة بفيروس كورونا منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية منتصف مارس الماضي، وزادها الأمر تميزاً وجمالاً.
حديث الساعة
ويحيط بالمدينة السياحية الصغيرة عدد من المدن التي اكتسحها الوباء، إلا أن «شفشاون» لا تزال تتحصن بين الجبال المحيطة بها من الجائحة؛ ما جعل منها حديث الساعة ومثار إعجاب، وقد يكون سبب ذلك موقعها الجغرافي حسب الدكتور إبراهيم المرابط المتخصص في الجغرافية المجالية الذي يرى أن «شساعة مساحة هذه المدينة في حد ذاتها تشكل عنصراً إيجابياً في إنجاح الحجر الصحي؛ لأنه يساعد في تباعد الناس على امتداد المساحة الجغرافية وعدم تكدسهم، وبالتالي فإن حجم هذه الجوهرة السياحية التي تقع بين سفوح الجبال مكّن إلى حد بعيد جميع المتدخلين من تنفيذ جميع الإجراءات الوقائية بشكل سلس ويسير، من دون إغفال وعي و«أناقة» أهالي المدينة التي يشيد بها كل من زار المدينة، التي أصبحت وجهة عالمية صُنفت مؤخراً ضمن أجمل مدن العالم؛ حيث يزورها ما يزيد على 123 ألف سائح سنوياً.
التزام بالحجر
الالتزام بقرار الحجر الصحي والوعي الجماعي مكّن شفشاون أن تصبح نموذجاً متفرداً؛ الأمر الذي زاد من حماس المجتمع المدني والسلطات المحلية لمضاعفة الجهد والمساهمة لأجل أن تحافظ «شفشاون» على مناعتها ضد كورونا.
يقول عبد الرحيم بوعزة «رئيس المجلس الإقليمي» للمدينة لـ«سيدتي» إن المجلس سعى بكل ما أُتيح له من إمكانيات إلى تطبيق الحجر الصحي حسب تعليمات الدولة المغربية، وهي نفسها تقريباً التي اتُّبعت على صعيد المغرب عامة، إلا أننا عملنا بصرامة على احترام الحجر الصحي الذي نجح في المدينة والإقليم كله بفضل تجاوب السكان بشكل تلقائي وحضاري، مع منع الولوج للمدينة إلا في الحالات الضرورية، كذلك تنظيم الأسواق الأسبوعية بفعالية وتخصيص نقط لبيع المواد الأساسية تفادياً لأي ازدحام، كذلك الحرص على تعقيم الشوارع والأزقة والسيارات التي تدخل المدينة، من دون أن نغفل دور المجتمع المدني من خلال تخصيص لجنة لليقظة التي قامت بتوزيع المواد الغذائية على المحتاجين بتنسيق تام مع سلطات المدينة مع تنظيم حملات توعية للساكنة. الكل أسهم في إنجاح هذه التدابير من سلطات الأمن والصحة والوقاية المدنية والمنتخبون والمجتمع المدني، منوهاً بوعي ونضج أهالي «شفشاون» وانخراطهم بالتقيد الفعلي والمسؤول بحالة الطوارئ الصحية.
ويضيف قائلاً: من خلال «سيدتي» أود التنويه بالتزام السكان وشكرهم على روح المسؤولية العالية، ونأمل أن تعود الريادة السياحية قريباً للمدينة؛ لتستعيد حيويتها ورونقها بعد الجائحة.
طبيعة خلابة
«شفشاون»، أو الشاون كما يسميها المغاربة، وكما يعرفها السياح بمختلف جنسياتهم؛ مدينة سياحية بعدة أبعاد بهندستها الأندلسية وزرقة مجالها وروحها الصوفية وغِنى طبيعتها الخلابة، وفي خضم الجائحة بادر الشباب والمبدعون إلى الحفاظ على ما يُعرف بـ«السقايات المائية» التي تؤثث جمالية المدينة، والسهر على إبقاء أزقتها العتيقة كالعادة نظيفة، في إطار الشعار الذي أطلقه الفاعلون في المجتمع المدني تحت عنوان: «شفشاون زيرو كورونا» باعتبارها المدينة الوحيدة التي لم يُسجل بها أي إصابة بكورونا.
سحر المدينة
انخرط القطاع الصحي بجميع مكوناته في الحفاظ على جمالية «شفشاون» الواقعة بين سلسل جبال الريف، وإبقائها دوماً منطقة جاذبة للسائح بعد انتهاء الجائحة العالمية؛ حيث أكد عبد المجيد بوديز «رئيس قسم الشؤون التمريضية بمستشفى محمد الخامس» أن جميع مكونات الفريق الصحي كانوا دائماً ومنذ ظهور الوباء في المغرب على يقظة واستعداد لمواجهة الجائحة منذ مرحلة تكوين الأطباء والممرضين والتقنيين، وإعداد سبل التكفل بالمرضى، ومروراً بإنشاء وحدتين للعزل إما من أجل الفحص أو استقبال المرضى، ووصولاً إلى التحاق فريق طبي عسكري لتعزيز باقي الفريق الصحي العامل بمستشفى محمد الخامس.
شامخة منتصرة
وإذا كانت «شفشاون» قد تمكنت من الانتصار على الوباء؛ فإن البعض ممن يعرفون المدينة جيداً ومدى تدفق السياح عليها لم يتوقعوا هذا الانتصار بسبب توافد السياح من عدة جنسيات عليها، وبخاصة الصينيون، في وقت كان الجميع في العالم يرى في هؤلاء مصدراً محتملاً لانتقال الفيروس، وها هي شفشاون اليوم تقف شامخة منتصرة على فيروس كورونا المستجد، وهو الأمل الذي يسعى سكانها للحفاظ عليه للإبقاء على الانتصار إلى النهاية، وهو الأمل نفسه الذي ما فتئ يعبر عنه الفاعل الحقوقي والمحامي نوفل البعمري مؤكداً أن شفشاون كانت قِبلة سياحية تجذب السياح بالنظر لموقعها السياحي الجميل ودينامية سكانها، غير أن أهاليها وبمجرد الإعلان عن الحجر الصحي، انضبطوا للتعليمات وللقيود المفروضة على حرية التنقل وساعات إغلاق المحلات التجارية وإقرار مبدأ العمل عن بعد مشدداً في الوقت نفسه على تشديد المراقبة على الوافدين وضبطهم للحيلولة دون وصول الفيروس إلى المدينة، منوهاً بهذا الخصوص بيقظة جميع المسؤولين عن المراقبة والعملية الأمنية.
شفشاون تتوق لعشاقها
وتتوق شفشاون أو الجوهرة الزرقاء كما يحلو لعشاقها أن يلقبوها بسحرها؛ لمعانقة ضيوفها في أقرب وقت، وهي التي تشتهر بأزقتها وبيوتها الأصيلة باللون الأزرق والأبيض الذي يعود حسب بعض المصادر إلى نزوح الأندلسيين والموريسكيين إليها من الأندلس بعد تعرضهم للتطهير الديني والعرقي ضد غير المسيحيين؛ فأرادوا أن يكون هذا اللون رمزاً للسلام والتسامح، دون أن يدركوا أنهم يرسخون للقبها الحالي «الجوهرة الزرقاء»، كما أن «شفشاون» تتميز بهدوئها وطيبة أهلها، الذين رغم اختلاطهم بالسياح من جميع أرجاء العالم؛ مُتشبثون بطبيعتهم الجبلية الأصيلة، ونمط حياتهم التقليدي. وتلعب النساء دوراً أساسياً في تنمية المدينة بانخراطهم في تأسيس تعاونيات للمنتوجات الطبيعية مثل جبن الماعز الشهير بالمنطقة والكسكس والحياكة التقليدية.
أما أجمل منظر يمكن أن يسحرك وأنت تزور شفشاون؛ فهو منظر النساء «الجبليات» اللواتي يرتدين الزي الجبلي التقليدي الخاص بالمنطقة، وهو عبارة عن قبعة تقليدية تُدعى الشاشية واسعة تُعد من القش مزيّنة بالألوان، والمنديل الذي يُعد زياً تقليدياً يُلبس على الخصر من ثوب أبيض مخطط بالأحمر، وآخر ملون يوضع فوق الأكتاف. أزياء الرجال أيضاً مثيرة للنظر؛ إذ يعتمدون جلباباً صوفياً بصنع يدوي مع قبعة تُعتبر أساسية بالنسبة لأي «جبلي». وعادة ما يعرضون سلعاً محلية الصنع في الأزقة لكل راغب في تذوق مواد طبيعية، أو إكسسوارات فضية أو من الطين أو الجلد وغيرها.
شفشاون
- تُعد من أجمل مدن المغرب التاريخية.
- يطلق عليها المغاربة اسم الشاون
- تم تأسيسها عام 1471 م بأمر من علي بن راشد؛ ليقيم فيها المسلمون الأندلسيون الذين تم طردهم من الأندلس بعد سقوط غرناطة.
- كانت تُعد قلعة يحتمي فيها المجاهدون من الهجمات والاستعمار.
- يبلغ عدد سكانها 50 ألف نسمة.
- معروفة بمنابعها المائية، أشهرها رأس الماء.
- تتميز بطراز تقليدي في الهندسة المعمارية، وأشهر أحيائها التقليدية: حي السويقة وحي الأندلس وحي العنصر وحي الصبانين، وأشهر معالمها: حي القصبة وساحة وطا حمام.