كثيرة هي الألفاظ العربية التي لا نعرف أوّلَ من استعملها؟ وكيف اكتسبت معناها؟ وكيف صارت تشير إلى شيء أو إلى فعل أو دلالة؟ ومتى صارت مفردة مثل (جلس) بمعنى اعتدل في قعدته؟ ومن أوّل من استخدم لفظة (طبيب) من العرب؟ وكيف دخلت بعض المفردات إلى العربية من لغات أخرى عبر القرون؟ وكيف تطوّرت بعض الألفاظ عبر التاريخ، وكيف هاجرت بعض الكلمات من لغة إلى لغات أخرى. هذا ما تتولّى مهمته المعاجم التاريخية للغات، وهو الأمر الذي دفع إمارة الشارقة إلى قيادة المشروع المعرفي الأكبر للأمة العربية، "المعجم التاريخي للغة العربية"، الذي يشرف عليه اتّحاد المجامع اللغوية والعلمية في القاهرة، بمشاركة عشرة مجامع عربية، ليكون المعجم الأول الشامل في تاريخ لغة الضاد.
يؤرخ لـ 17 قرناً لأول مرة في تاريخ اللغة العربية
بعد سنوات من العمل، كشف إمارة الشارقة عن إتمام مراحل العمل الأولى من "المعجم التاريخي للغة العربية"، تمّت خلالها أتمتة قرابة 20 ألف كتاب ومصدر ووثيقة تاريخية باللغة العربية، يفتح "المعجم التاريخي للغة العربية" الباب واسعاً على 17 قرناً من الزمن ليصل في توثيقه لمفردات اللغة العربية إلى نقوش وآثار يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الإسلام، ويقود بذلك الباحثين إلى المصادر الأولى للغة ويكشف عبر تتبّع منهجي كيف استخدمت كل مفردة عبر العصور: قبل الإسلام، والعصر الإسلامي من 1-132 هجري، والعباسي، والدول والإمارات، والعصر الحديث.
ستة أعوام المدة المقدرة لإتمامه كاملاً
ويكشف المعجم الذي يتولى مجمع اللغة العربية في الشارقة إدارة لجنته التنفيذية برئاسة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ، عن الانتهاء من التأريخ للأحرف الأولى من اللغة العربية، ومن المقرر أن ترى المجلدات الأولى النور في نهاية العام 2020، معلناً أن المدة التقديرية للانتهاء من كامل المعجم تقدر بستة أعوام.
يشكل مكتبة تضم أكثر من 40 ألف كتاب ومصدر ووثيقة
ويشكل المعجم إلى جانب أنه يبحث ويوثّق لمفردات اللغة العربية مكتبة إلكترونية ضخمة مكوّنة من أمّهات كتب اللغة والأدب والشعر والفلسفة والمعارف العلمية المتنوعة تمكّن الباحثين والقرّاء بعد الانتهاء من مراحل إعداده كاملة، الوصول إلى أكثر من 40 ألف كتاب ومصدر ووثيقة يعرض بعضها إلكترونياً للمرة الأولى في تاريخ المحتوى المعرفي العربي.
ويعنى المعجم بإيضاح جملة من المعلومات الرئيسة هي: "تاريخ الألفاظ العربية"؛ حيث يبحث عن تاريخ الكلمة من حيث جذرها، ويبحث عن جميع الألفاظ المشتقّة منها وتقلّباتها الصوتيّة، ويقوم يتتبّع تاريخ الكلمة الواحدة ورصد المستعمل الأوّل لها منذ الجاهليّة إلى العصر الحديث، ويعمل على توضيح "تطور المصطلحات عبر العصور"، ويرصدُ تاريخ دخول الكلمات الجديدة المستحدثة في اللغة المستعملة، والكلمات التي انقرضت وزالت من قاموس الاستعمال مع ذكر الأسباب المؤثّرة في ذلك؛ حيث يبحث عن تطور الكلمة عبر الزمان وعلى ألسن العرب وغيرهم من المتكلّمين باللسان العربي منذ الجاهلية إلى يومنا هذا.
إلى جانب ذلك يختص المعجم بالكشف عن تاريخ نشأة العلوم والفنون؛ إذ يبحث مثلاً في علوم اللسان العربي عن جميع العلوم التي نشأت تحت ظل البحوث اللغوية قديما وحديثا من نحو وصرف وفقه لغة ولسانيات وصوتيات وعلوم البلاغة والعروض وغيرها، ويرصد المصطلحات التي ولدت ونشأت وترعرعت في رحاب هذه العلوم. وقبل ذلك يقارن بين الألفاظ في اللغة العربية وأخواتها الساميات مثل اللغة العبرية والأكّادية والسّريانية والحبشية وغيرها، وفي هذا المجال تمّ تكليف لجنة متخصّصة من علماء الساميات برصد أوجه الشّبه والاختلاف بين الألفاظ العربية وما يقابلها في تلك اللغات، وذكر الشواهد الحية التي تدلّ على ذلك مع توثيق للمصادر والكتب التي أُخِذت منها.
حول أهمية المعجم، قال الدكتور محمد صافي المستغانمي، أمين عام مجمع اللغة العربيّة بالشارقة: "مشروع المعجم التاريخي هو حُلم الأمّة العربيّة الأكبر، ومشروعها الأعظم، وحامل ذاكرتها الجماعيّة، وإنجازه سيُحدث حركة عظيمة في ميدان المعجميّات، وسيعود بالعربيّة إلى أمجادها، ويبعث فيها الحياة من جديد، وإن كانت العربيّة لم تمت ولن تموت لارتباطها بوحي السماء".