يظن بعض أولياء الأمور أنّ الزواج مصحة أو إصلاحية لتهذيب سلوك أبنائهم الذين عجزوا عن السيطرة عليهم، وذلك من باب «زوجوه يمكن يعقل، أو زوجوه يمكن يعقل ويترك خرابيطه».. وخرابيطه هذه كلمة مطاطية، تحمل الكثير من التأويلات، منها: الإدمان على تعاطي المخدرات والمسكرات، ومنها السلوك الإجرامي، والانحراف الأخلاقي. ولعل من أخف درجاته الاستهتار وعدم تحمل المسؤولية.
وهذا النوع من الزواج الذي يمكن أن نطلق عليه زواج المجازفة من الطبيعي أن يحصل على نسب عالية من الفشل، وأن يخلف العديد من المطلقات الهاربات أو اللاتي فضلن الموت البطيء.
الزواج مسؤولية
بداية، ترى الكاتبة والإعلامية «مها عقيل» أنّ الزواج مسؤولية، ومن كان طائشاً أو مستهتراً كيف يمكن لأهله أن يتوقعوا أنه «سيعقل» أو سيتغير بعد الزواج، وسيتحول إلى إنسان راشد يعي المسؤولية، وتتساءل: «لا أدري لماذا يصر بعض الأهالي على تزويج أولادهم وبناتهم إذا كانوا غير مستعدين نفسيّاً وناضجين عقليّاً لتحمل مسؤولية الزواج ورعاية أسرة». وتتابع: «هذه مخاطرة ومجازفة غير محسومة النتائج، وفيها تلاعب بحياة ومستقبل الإنسانة التي سترتبط به وربما بأطفال. لذلك يجب ألا يستخدم الزواج كحل لمشكلة؛ لأنه قد يخلق مشاكل أخرى أكثر تعقيداً. والزواج إن كان يراد له النجاح يجب أن يكون مبنيّاً على التفاهم والمحبة والثقة. ومثل هذه الزيجات متوقع لها الفشل، وإن استمرت تحت الضغط الأسري، فهي مازالت فاشلة؛ لأنها لا توفر السكينة. وبالتأكيد من دفع نحو إتمام مثل هذه الزيجات يتحمل مسؤولية فشلها».
مفاجآت ليلة الدخلة
وتقول «منال الدباغ» المصورة الرياضية: «هذا للأسف حاصل بمجتمعنا، حيث يحاول الأهالي إخفاء عيوب أبنائهم، وتكون الصاعقة بعد الزواج؛ حين تكتشف الزوجة أنه مريض ويعاني من خلل ما، ومن القصص الغريبة التي أذكرها أنّ أسرة أجبرت ولدها على الزواج لتكتشف العروس ليلة الدخلة أنّ عريسها من الجنس الثالث، وخوفاً من الفضيحة وكلام الناس اضطرت الزوجة للصبر، وأن تعيش مع زوجها كالأصدقاء، وبعدها تم الانفصال». وفي قصة أخرى كانت صدمة عروس وأهلها كبيرة، بعد معرفة حقيقة العريس الذي لم يكن إلا مريضاً نفسيّاً يعاني من انفصام في الشخصية.
طلاق وأمراض نفسية
وتعتبر «فوز عوض» المذيعة في قناة «الإخبارية» أنّ مثل هذه الزيجات محكوم عليها بالفشل، بل إنها من أسباب ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع السعودي، عوضاً عن الأضرار النفسية والإحساس بالمرارة والظلم الذي تشعر به الزوجات ممن ابتلين بمثل هؤلاء الأزواج، الذين لم تجد أسرهم وسيلة علاج لهم سوى بتزويجهم من فتيات من خارج العائلة، اللاتي تصدم أحلامهن الوردية بمشاكل لا حصر لها.
حقل تجارب
وفي الإطار ذاته، تقول «سناء صلاحات»: «بنات الناس لسن حقلاً للتجارب، ومن المؤسف أنّ الكثير منهن ذهبن ضحايا لمثل هذه الزيجات، إلا من رحم ربي وهداه الله وعقل فعليّاً». وتضيف: «أذكر قصة لإحدى الزوجات عندما تفاجأت بعد أسبوع من زواجها بحالة زوجها، الذي كان في حالة هلوسة، فأصابها الرعب، وأقنعها أهل الزوج بأنه مصاب بحالة نفسية، ولكنها اكتشفت الحقيقة لاحقاً؛ وهي أنه مدمن على الحبوب والشراب، وقد عاتبت أهل زوجها، وصمدت لمدة أربعة أشهر، وبعدها طلبت الطلاق؛ لأنه لم يعد بمقدورها التحمل».
وتضيف الدباغ: «وتفادياً لأي مفاجآت من الممكن أن تتعرض لها العروس عن حقيقة عريسها، فارس الأحلام المنتظر، فمن الضروري أن يتغير المثل إلى «استنوه حتى يعقل» بعدين زوجوه».
فحص ما قبل الزواج
ومن وجهة نظر «معتوق الزهراني» معلم رياضيات للمرحلة الثانوية، يرى أنه ربما كانت هذه العبارة صالحة لأجيال سابقة، وكانت غالباً تؤتي ثمارها لعدة أسباب منها: أنّ هذا الشاب يمكن احتواؤه؛ لأنه يعيش في مجتمع صغير، وهذا يجعله أكثر تحملاً للمسؤولية بعد إجباره عليها؛ خوفاً من انتقادات مجتمعه، أما الآن ومع هذه المغريات الحياتية والتطور التكنولوجي لا يمكن أن تنجح «زوجوه يمكن يعقل»، فالشباب لم يعد قادراً على تحمل المسؤولية، والدليل ارتفاع نسب الطلاق بشكل مخيف».
ويؤيده في ذلك الممثل «محمد العويني» الذي يرى أنّ فكرة الزواج بتلك الطريقة فيها كثير من الظلم والغش للزوجة، لذلك من الضروري أن تتحرى الزوجة وأهلها بالسؤال عن العريس، وكما يجب أن يتم إدراج فحص المخدرات والأمراض النفسية ضمن قائمة الفحص ما قبل الزواج.
زواج المراهقين والنهايات المحزنة
يمكن نعم ويمكن لا
وفي رأي مخالف يرى الشاعر «فارس الخمشري» احتمالية نجاح مثل هذا النوع من الزواج في بعض الأحيان، إذا كان الزوج يملك قابلية لتحمل المسؤولية، أما إذا كان لا يملك تلك المقومات فمن السهل جداً إلقاء اللوم والأخطاء على الزوجة. وأذكر قصة شاب أدمن على تعاطي المخدرات، وتزوج بفتاة، وتسير حياتهما الزوجية حاليّاً كما يقال على البركة، تعصف بها الكثير من المشاكل.
عقلوه وزوجوه
ومن وجهة نظر «ناصر الثبيتي» المستشار في العلاقات الأسرية، يرى أنّ الزواج أنموذج فريدٌ في العلاقات الإنسانية، ولابد للمقبل على الزواج من صفات يتصف بها، ومنها: العقل، والحكمة، وتحمل المسؤولية، وإذا كانت هذه الصفات غير موجودة فيه فليعلم الجميع أنّ مصير زواجه الطلاق والفشل لا محالة.
ويرى «الثبيتي» أنّ مقولة «زوجوه يعقل» مقولة قد تكون صحيحة أحياناً، ولكن غالباً لا تصح، والهداية بيد الله، ومن القصص في هذا الجانب لزوجة استطاعت تعديل سلوك زوجها المنحرف للأحسن فأصبح من المداومين على أداء الصلاة في المسجد.
وهذه بالتأكيد من الحالات النادرة، والتي تدل على أنّ الزوج يملك قابلية للتغيير، ولكن إذا كان طائشاً فكيف سيتحمل مسؤولية أسرة وبيت وأبناء. ولذلك أقول الصحيح في العبارة «عقلوه ثم زوجوه»، ولا تكونوا سبباً في تعاسة الفتيات وزيادة نسب الطلاق في المجتمع.
المزيد: