الحالة:
وصلتني بعض الرسائل تطلب الإرشاد في مجال (الزواج المثلي)، وسأختار هنا حالة واحدة نناقشها ونطرحها للحوار:
السيدة «ف.ك» أرسلت تقول إنها مطلقة منذ ما يقرب 7 سنوات، ولديها طفلان يعيشان مع والدهما في بلده الأصلي، وهي مقيمة في بلدها الأم، ومنذ زواجها، وحتى بعد الطلاق، وهي تشعر بالفراغ العاطفي والرغبة الملحة في تكوين علاقة مع الجنس نفسه، (وهو ما جعل أهلها يجبرونها على الزواج في المرة الأولى)، حتى قابلت الشخص المناسب من وجهة نظرها، وكانت سعيدة بتعميق العلاقة، إلى أن وصلت لقناعة مشتركة مع الطرف الآخر إلى أن تتوج هذه العلاقة «بالزواج»، وفعلاً أقامتا حفلاً صغيراً شاركتهما فيه بعض الصديقات، ومر الآن أكثر من سنة على هذا الحفل. المشكلة -كما تقول- إنها بدأت تشعر بالشك في سلوك هذه الشريكة، مثلاً أن تتصل بها وتجد هاتفها مشغولاً، وعندما تسألها عن السبب تكون الإجابة غير مقنعة من الجانب الآخر، ووصل الأمر إلى مرحلة مراقبتها لمعرفة ما تخفيه عنها، وللأسف لم تجد أي دليل مادي على (الخيانة)، وتقول إنها مستعدة لأي شيء، إلا أن تتخلى عن هذه الشريكة، حتى لو احتاجت إلى العلاج، إذا كانت مريضة، فهي مستعدة لذلك، وتطلب أن نساعدها في التخلص من الشك والغيرة، وتقول أرجوكم لا تنظروا لي على أنني منحرفة أو مختلة، فأنا إنسانة معذبة بسبب هذه الميول الغريزية، وحتى إجباري على الزواج لم يجدِ نفعاً، فهل هناك حل؟؟
الإجابة:
السيدة «ف. ك»، سأبدأ من حيثُ انتهت رسالتك وأؤكد لك أن كل الرسائل التي ترد لدينا تعامل بالدرجة نفسها من الأهمية، فلا مجال لإهمال أي رسالة يحتاج صاحبها إلى الإرشاد، ولا يمكن أن ننظر لأي شخص خارج مجال المهنية الطبية مهما كانت مشكلته، الحالة التي تصفينها تلقي الضوء على المحظور والمسكوت عنه في معظم المجتمعات الإنسانية، وحتى في أكثر المجتمعات تفتحاً وقبولاً لأي شيء مختلف، ولكن بدرجات متفاوتة، ففي المجتمعات العربية يعدّ الزواج المثلي من المحرمات، والتي يجرمها التشريع سواء الديني أو المدني.
وهناك عدة جوانب لابد من مناقشتها في هذا الجانب:
- الميل للجنس نفسه يكون إما وقتياً، ويحدث لتحقيق الإشباع الجنسي في حال عدم توافر الشريك من الجنس الآخر، وينتهي في حال وجود الطرف المطلوب، ويستطيع الشخص الاستمتاع بالزواج الطبيعي بين الرجل والمرأة، وعادة ما يكون مثل هذا السلوك أكثر حدوثاً في مرحلة المراهقة، ويزول بتوافر الجنس الآخر.
وإما أن يكون من النوع الثاني، وهو الأقل انتشاراً، فيبقى التفضيل والميل والشعور بالرضا الجنسي فقط للجنس نفسه، حتى مع توافر الجنس الآخر في حياة الشخص المعني، وهنا قد لا تنجح حالات الزواج الطبيعية بين الرجل والمرأة (كما حدث معك)، وعادة ما يكون الشريكان مقتنعين بهذه العلاقة، ولا يطلبان التدخل إلا لحل مشكلات محددة مثل الغيرة أو مشكلة الخيانة وغيرها من الأمور الخارجية.
وهنا اسمحي لي أن أوضح بعض الأمور المهمة المتعلقة بمثل هذه العلاقات الحساسة:
1- يعدّ الزواج رابطة بين مجتمع الرجل والمرأة، وليس فقط بين الطرفين، ويحتاج إلى مباركة ودعم أفراد الأسرتين، وهو مالا يمكن أن يتم في ظل الرفض الشديد للزواج المثلي في كل المجتمعات كما سبق وذكرت، هذا الأمر سيجعل مستوى التحدي أعلى، وقد يخلق جواً من التوتر الدائم والملاحقة القضائية، ما سيؤثر حتماً على مستقبل هذا الزواج.
2- في بعض الحالات يكون التفضيل لهذه العلاقة نتيجة أسباب يمكن معالجتها، منها قضايا الاغتصاب والتحرش والاعتداء الجنسي، خاصة في مرحلة الطفولة، ما يولد نوعاً من النفور من فكرة الزواج العادي بين الرجل والمرأة، وهو أمر يمكن علاجه.
3- يبدو أن المشكلة تكمن في الشعور بالغيرة والشك أكثر منها في أساس العلاقة الخاصة، وهو ما يجعلني أتساءل عن مدى قوة الثقة في الشريكة، وما المخاوف التي تشغل بالك؟ هل تخشين أن تكون الشريكة على علاقة «برجل»، أم تخشين أن تتركك وتتخلى عنك بسبب امرأة أخرى؟
وجد في العديد من الدراسات أن الخوف من تخلي الشريكة عن شريكتها بسبب الرجل يمثل نسبة عالية من حالات الغيرة، كما أن هناك ارتفاعاً في نسبة حب التملك للشخص كملكية، خاصة الأمر الذي يجعل التوتر يزداد وقد يؤدي إلى عواقب خطيرة قد تصل إلى حد القتل.
4- نحتاج إلى الاستشارة الطبية المتخصصة بسرية تامة لدى أحد المختصين في العلاقات الحميمة، ويكون للطرفين وبمنتهى السرية والخصوصية.
نصيحة:
الزواج يعدّ أحد أهم الأحداث في حياة الإنسان ويحتاج إلى الرعاية والاهتمام؛ حتى يحقق الأهداف المرجوة من مودة ورحمة واستمرارية الجنس البشري على الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.