غيَّرت التكنولوجيا كل أشكال الحياة، خاصة تلك القائمة على التواصل مثل الحب والعلاقات. ففي العقود الماضية، كان الحب يعني نظرات عابرة، لقاءات صدفة، ورسائل تُكتب بخط اليد وتُخبأ في الأدراج.
أما اليوم فنحن نعيش في عالم مفتوح، تلاشت الحدود وبات التواصل أمراً في غاية السهولة، بتْنا نعيش في عالم يمكن فيه العثور على شريك الحياة عبر تطبيق على الهاتف، والتعبير عن المشاعر عبر رموز تعبيرية. ولهذا يتبادر إلى الذهن السؤال: هل جعلتنا التكنولوجيا أقرب؟ أم أنها أدخلتنا إلى علاقات سطحية وعابرة؟
كيف غيَّرت التكنولوجيا سبل التواصل؟
بحسب مقال نشرته الكاتبة جوبيل لي على منصة Medium، فإن التكنولوجيا سهلت على الناس التعبير عن مشاعرهم، وساعدتهم في كسر حواجز الخجل، وفتحت لهم فرصاً للتعارف لم تكن ممكنة من قبل. فقد أصبح أمرا معتاداً أن يلتقي شخصان عبر تطبيق مثل Tinder أو Bumble، ثم يتطور الأمر إلى علاقة عاطفية أو حتى زواج.
وبحسب المنصة أظهرت الإحصاءات أن ما يقارب 40% من العلاقات الجديدة تبدأ من خلال الإنترنت. وتوقعت دراسات أن تستمر هذه النسبة في الارتفاع خلال السنوات القادمة. ولكن طرحت الكاتبة تساؤلاً هاماً: هل تكفي هذه البداية الرقمية لبناء علاقة طويلة الأمد؟ وعدَّت هذا تحدياً حقيقياً.

التواصل الافتراضي والعلاقات القصيرة
تشير الكاتبة المتخصصة في علم الاجتماع إلى أن التواصل السريع لا يعني دائماً تواصلاً حقيقياً. فقد ساهمت التكنولوجيا في تقليص المسافات بين الناس، لكن ذلك لا يعني أنها عززت القرب العاطفي. بل على العكس، في كثير من الحالات، أصبح الأزواج يتشاركون الصور والرسائل طوال اليوم، ولكنهم لا يتحدثون عن مشاعرهم بصدق عندما يجتمعون في المساء.
ويعود ذلك، بحسب الكاتبة، إلى أن أدوات التواصل الرقمية تفتقد للغة الجسد، لنبرة الصوت، ولمسات اليد، وهي كلها عناصر ضرورية لخلق اتصال عاطفي عميق.
سلبيات التكنولوجيا على الحب
رصدت الأبحاث تأثيرات واضحة للتكنولوجيا على العلاقات، وفيما يلي أبرزها:
الوقوع في فخّ المقارنات
أشار تقرير نشره Vocal إلى عامل شديد الأهمية أثَّر على الحب في العصر الحالي، وهو أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تخلق ضغوطاً كبيرة داخل العلاقة. فحين يرى أحد الطرفين صوراً لأزواج آخرين في رحلات أو مناسبات، قد يبدأ بالمقارنة، مما يضع توقعات غير واقعية على شريكه. وفي النهاية، تتحول العلاقة إلى سباق لإثبات المثالية بدلاً من أن تكون مساحة للصدق والراحة.
عدم الاستقرار العاطفي
يشير المقال أيضاً إلى أن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، قد يؤثر سلباً على الاستقرار العاطفي، حيث أصبح بعض الأزواج يقضون وقتاً أطول على هواتفهم من الوقت الذي يمضونه معاً. وهو ما يؤدي إلى تراجع متانة العلاقة رغم وجودها ظاهرياً.
إيجابيات التكنولوجيا على الحب
الصورة ليست قاتمة، فكما للتكنولوجيا آثار سلبية على الحب، كان لها أيضاً بعض الإيجابيات:
تطور العلاقات عن بُعد
وهذا من الجوانب الإيجابية التي لا يمكن تجاهلها. فالعلاقات التي تفصلها المسافات الجغرافية أصبحت ممكنة بفضل المكالمات المصورة، والتطبيقات التي تسمح بالتواصل الفوري. كثير من الأزواج تمكنوا من الحفاظ على مشاعرهم بفضل التكنولوجيا.
تنوع سبل التواصل
لم يعد التواصل مقصوراً على خطابات مكتوبة، بينما ثمة أشكال عدة للتواصل قد تعزز العلاقة وتجعلها أكثر جاذبية، مثل الصور والمنشورات وحتى التعليقات. ولكن هذه الوسائل، رغم فعاليتها، لا تستطيع تعويض الحضور الجسدي. في نهاية المطاف، يظل العناق والجلوس سوياً وجهاً لوجه، من العناصر التي لا يمكن تعويضها رقمياً.

خطوات لحب صحي في عالم رقمي
يتفق الباحثون على أن الحل لا يكمن في رفض التكنولوجيا، بل في إدارتها بشكل واعٍ. وهذه بعض النصائح المستخلصة:
تخصيص وقت خالٍ من الأجهزة
التواصل الفعلي والجسدي المباشر حتى لو ساعة يومياً، من المهم أن يتحدث الشريكان وجهاً لوجه، دون وجود هواتف أو شاشات.
استخدام الوسائل التقليدية للتعبير عن الحب أحياناً
صحيح أن تطبيقات التواصل متعددة وسهلة، لكن لا تزال الوسائل التقليدية لها تأثير خاص، مثلا رسالة مكتوبة بخط اليد، أو ملاحظة صغيرة في الحقيبة، تحمل قيمة عاطفية أكبر بكثير من رسالة إلكترونية.
تجنب مشاركة كل تفاصيل العلاقة على السوشيال ميديا
منصات التواصل الاجتماعي هدمت الخصوصية، وهذا حمل كثيراً من الآثار السلبية، الخصوصية تمنح العلاقة متانة وثقة أكبر، وتبعدها عن ضغوط المقارنة أو التقييم؛ لذلك يجب عدم مشاركة تفاصيل العلاقة عبر السوشيال ميديا.
عدم الاعتماد على التكنولوجيا كوسيلة للهروب
أحياناً نستخدم الهاتف لتجنب مواجهة مشكلات في العلاقة. من الأفضل مناقشتها بصراحة بدلاً من دفنها خلف الشاشة، خاصة وأن هذه الطريقة قد تُفاقم المشكلات وتُخرجها عن السيطرة.
في النهاية، ذهب الباحثون إلى أن التكنولوجيا يمكن أن تكون وسيلة رائعة لتقريب الناس، لكن بشرط أن تظل الإنسانية في القلب. فالحب لا يُقاس بعدد الرسائل، ولا بعدد الإعجابات، بل بما نمنحه من وقت ومشاعر وصدق.
قد يعجبكم أيضاً الفرق بين الحب الحقيقي والتعلق العاطفي