لماذا يعود الشباب إلى قراءة الكتب الورقية في عصر التكنولوجيا؟

فتاة تعبر عن متعتها بقراءة كتاب  - المصدر freepik
فتاة تعبر عن متعتها بقراءة كتاب - المصدر freepik

في عصر باتت فيه الشاشات تسيطر على حياتنا، وأصبحت المعلومات تُستهلك بسرعة البرق عبر الفيديوهات القصيرة والخاطفة، قد يبدو من الغريب أن يعود الشباب إلى الكتاب الورقي. فكيف يمكنهم العثور على متعة القراءة في عالم تهيمن عليه التكنولوجيا والمنصات الرقمية.
لا تزال هناك شريحة من الشباب تفضل الكتب الورقية. تشير بعض الدراسات إلى أن القراءة من الكتب المطبوعة تعزز من الروابط العاطفية مع النصوص أكثر من القراءة على الشاشات، مما يفسر استمرار تفضيل البعض للكتب الورقية.

أسباب عودة الشباب للكتب الورقية

تشير الكوتش فاطمة ضاهر مدربة تعديل سلوك وممارس متقدم بالبرمجة العصبية اللغوية، إلى أن هناك أسبابًا وراء عودة الشباب للقراءة الورقية، وحددت التالي:

الهروب من العالم الرقمي المزدحم وتعزيز التركيز

أصبحت الحياة الرقمية مليئة بالمشتتات التي تستنزف الانتباه وتقلل من التركيز. على عكس ذلك، توفر الكتب تجربة قراءة متعمقة تتيح للقارئ الغوص في الأفكار والمفاهيم والشخصيات دون انقطاع. وتؤكد كوتش فاطمة ضاهر أن "الكتاب يقدم تجربة عميقة تُمكن القارئ من الهروب من الفوضى الرقمية، حيث يحتاج إلى تركيز طويل وتفاعل عقلي أعمق، وهو ما يساعد على تعزيز التفكير النقدي والقدرة على التحليل."
وقد أثبتت الأبحاث أن القراءة الورقية تعزز التركيز أكثر من القراءة الرقمية، حيث أظهرت دراسة نُشرت في مجلة العلوم النفسية أن الأشخاص الذين يقرأون الكتب الورقية يتذكرون المعلومات بشكل أفضل مقارنة بمن يقرأون على الشاشات.

شاب يقرأ كتابًا ورقيًا - المصدر freepik


الكتاب مساحة للتأمل الفكري والتواصل العاطفي

توفر الكتب مساحة للتعمق بالأفكار الكبرى التي يصعب إيجادها في المحتوى الرقمي السريع. فالقراءة لا تقتصر فقط على اكتساب المعرفة، بل تمتد إلى طرح أسئلة وجودية عميقة تمنح القارئ فرصة للتفكر والتأمل. وتضيف ضاهر: "الكتاب يعد ملاذًا آمنًا لأولئك الذين يبحثون عن معنى أعمق للحياة أو يسعون لفهم ذواتهم والعالم من حولهم بعيدًا عن ضغوط المحتوى الرقمي السريع والمستهلك."
كما أن تجربة القراءة الورقية تحمل بعدًا عاطفيًا خاصًا، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد أن القراءة من الكتب المطبوعة تعزز من الروابط العاطفية مع النصوص أكثر من القراءة على الشاشات، وهو ما يفسر شعور بعض القراء بالارتباط العاطفي بالكتب الورقية أكثر من الإلكترونية.

السعي إلى التنمية والوعي الذاتي

يزداد اهتمام الشباب في أيامنا هذه بتطوير ذواتهم في مختلف مجالات الحياة، وهو ما يدفعهم إلى البحث عن كتب التنمية الذاتية وعلم النفس التي تقدم لهم منظورًا أوسع حول الحياة. تشير المدربة فاطمة ضاهر إلى أن "الشباب اليوم يبحثون عن مصادر تعينهم على فهم أنفسهم والتعامل مع التحديات الحياتية، وهو ما يجعلهم يفضلون الكتب التي تمنحهم تجربة قراءة متأنية ومركزة بعيدًا عن المشتتات الرقمية."
وتدعم هذه الفكرة إحصائية أظهرت ارتفاعًا ملحوظًا في مبيعات كتب التطوير الذاتي بين الفئة العمرية 18-35 عامًا، مما يدل على أن الشباب يرون في القراءة أداة مهمة للنمو الشخصي والمهني.

الشعور بالحنين إلى القراءة الورقية

على الرغم من التطورات التكنولوجية وتوافر طرق حديثة للقراءة عبر الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، لا يزال العديد من القراء يفضلون الكتب الورقية بسبب التجربة الحسية التي تقدمها. توضح ضاهر: "هناك متعة خاصة في الإمساك بالكتاب، وتقليب صفحاته، واستنشاق رائحة الورق، وهو ما يخلق رابطًا وجدانيًا مع عملية القراءة لا توفره الكتب الرقمية."
وحسب خبراء فإن القراءة الورقية تساعد الدماغ على معالجة النصوص بشكل أفضل، كما أن تجربة اللمس الفيزيائي للورق تعزز من الفهم والاستيعاب العاطفي للنصوص.

مدربة تعديل سلوك فاطمة ضاهر

القراءة وسيلة للتخلص من التوتر والضغوطات

في عالم مليء بالسرعة والمشتتات، أصبحت القراءة الورقية وسيلة فعالة للتخفيف من التوتر واستعادة الصفاء الذهني. ووفقًا لدراسة سابقة، فإن القراءة لمدة 6 دقائق يوميًا يمكن أن تقلل من مستويات التوتر بنسبة تصل إلى 68%، وهي نسبة أعلى من تأثير الاستماع إلى الموسيقى أو المشي.

هل سيختفي الكتاب الورقي؟

على الرغم من التطور الرقمي المتسارع، يبدو أن الكتب الورقية لن تختفي قريبًا، بل ستظل حاضرة كوسيلة أساسية للتفكير والتعلم والتطور الشخصي. فالشباب لا يعودون إلى الكتب فقط بحثًا عن المعرفة، بل لأنهم يجدون فيها ملاذًا هادئًا وسط عالم مليء بالضوضاء الرقمية.
وتختم كوتش فاطمة ضاهر حديثها قائلة: "الكتاب ليس مجرد مصدر للمعرفة، بل هو مساحة للتفكر والتأمل والهروب من ضغوط الحياة الرقمية. وفي ظل هذه العودة القوية للقراءة الورقية، يمكننا القول بثقة إن الكتاب سيظل رفيقًا أساسيًا للشباب في رحلتهم نحو الفهم والنمو."
بشكل عام، بينما يزداد الاعتماد على المحتوى الرقمي، يظل هناك اهتمام مستمر بالكتب الورقية بين بعض فئات الشباب، مما يشير إلى تنوع في تفضيلات القراءة في العصر الرقمي.
تابعي المزيد: مهارات القراءة الإبداعية