المراهقة والبلوغ من أهم المراحل الانتقالية الفارقة في عمر الإنسان، حيث يظهر العديد من التغيرات الجسدية بشكل سريع ومتباين؛ ما بين زيادة في الطول، وزيادة في الوزن، وظهور الشعر في مناطق متعددة من الجسم، وهذه التغيرات تؤثر نفسياً على الفتاة؛ فيتغير السلوك والمظهر والعواطف، ويكون مؤشراً لبداية مرحلة جديدة من عمر الفتاة؛ حيث تُعد الجسر الذي يصل مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب والتي قد تمتد حتى 21 عاماً. معنا خبيرة الأسرة الدكتورة فاطمة عبد الرازق أستاذة طب النفس بالمركز القومي للبحوث لشرح التغيرات الفسيولوجية التي تطرأ على الفتاة في سن المراهقة
الفرق بين البلوغ والمراهقة
يظهر الفرق بين البلوغ والمراهقة .. أنّ المُراهقة سلسلةٌ من التغيّرات التي تحدث بشكلٍ مُتدرّج في النواحي الجسمية والنفسية والعقلية والاجتماعيّة التي تقود في نهايتها إلى النضج
أمّا البلوغ فهو اكتمالُ النموّ الفسيولوجي والبيولوجي أي نُضج الوَظائف الجنسيّة؛ حيث تَبدأ الأجهزة التناسليّة بإفرازِ الهرمونات الجنسيّة فيُصبح جسد المُراهق الذكر أو الأُنثى قادراً على التكاثر
التغيّرات الجسدية التي تتعرض لها الأنثى تؤثر وبشكل بالغ على الحالة النفسية للفتاة المراهقة، وتحدث التغيرات على جميع المجالات والمظاهر النمائية للأنثى، وطبيا.. التغيّرات الجسميّة للإناث تفوق تغيّرات الجسمية للذكور
التغيرات الجسمية..الفسيولوجية
وتعد أهمّ العلامات التي تُميّز مرحلة المُراهقة عن غيرها من المراحل العمريّة للأنثى؛ حيثُ تمتاز بسرعتها النمائية وظهور علاماتها بشكلٍ متباين
تقوم الغدة النخامية في الدماغ بتنشيط عمل الغدد الجنسيّة لتبدأ مَرحلة تكامل الأُنوثة عند الفتاة، فتبدأ الأعضاء التناسليّة بأداء عملها بإفراز الهرمونات
فتظهر حالة الحيض لأوّل مرّةٍ كأول علامة من علامات النمو التام للجهاز التناسلي، وبدء عمل المبايض في الرحم
بالإضافة إلى النموّ العضوي السريع من زيادة في الوزن، والطول، وبروز الثديين، مع ظهور الشعر في بعض أجزاء الجس
ويستمرّ نموّ الفتاة بشكلٍ سريع في البداية، وتقلّ سرعته تدريجيّاً ما بين سن الثامنة عشرة والواحد والعشرين
ونظراً لهذا النشاط الهرموني ، قد تظهر بعض حبوب الشباب والبثور على وجه الفتاة، وتختلف هيئتها الجسدية ممّا يدفعها إلى شدة الاهتمام بجسمها
وتظهر حساسيتها أيضاً تجاه أيّ نقدٍ أو مُقارنة تتعرّض لها،إضافة لحاجاتها للتكيّف مع هذه التغيرات، وبالتالي ضرورة حصول الفتاة على النوم والراحة والتغذية السليمة
وعلى الأهل الاستجابة السليمة لكلّ هذه التغيرات ؛ فهي تؤثر بشكل إيجابي أو سلبي على اتجاهات الفتاة ومفهومها عن ذاتها وسلوكياتها الاجتماعية
التغيرات الانفعالية
ومن التغيرات التي تحدث للفتاة في مرحلة المراهقة أيضا التغيرات الانفعالية، وتتّصف في هذه المرحلة بأنها مندفعة وغير مُتّزنة، وقد تكون تغيرات انفعالية مبالغاً فيها، ولا تَتناسب مع المُثير المُسبّب لها، فلا يَستطيع المراهق التحكّم بشدتها
يظهر التناقض في الانفعالات تجاه نفس المثير أو نفس الفرد، فتظهر ازدواجيّةُ المشاعر بين مشاعر الحب والكره أو الخوف ومشاعر التهوّر والشجاعة، أو التديّن والتطرّف، أو الحماس واللامبالاة، كما يتّجه المُراهق إلى تكوين شخصيّته المستقلّة انفعاليّاً بعيداً عن مؤثرات الوالدين
بالإضافة إلى انغلاق المراهقة في هذه الفترة حول الذات والانطوائيّة ، والشعور بالخجل وتذبذب انفعالاتها تجاه التغيرات الجسمية التي تحدث لها ، وكيفية التكيف معها
ويترافق مع كلّ هذا شعور المراهقة بالذنب والخطيئة تجاه الأفكار الجديدة التي تطرأ على تفكيرها، وقد يظهر عليها بعض التردّد وتدنّي الثقة بالنفس
وتتّضح قدرة المراهقة في استعمال خيالها كوسيلةٍ للتنفيس النفسي في عيش ما ترغب في تحقيقه ولو كان مُستحيلاً، وتعويضها لنقصه الذي تشعر به تجاه نفسها
تعيش الفتاة المُراهقة حياةً عاطفيّة يملؤها العطاء والتضحية ولفت الانتباه، والحساسيّة المُفرطة تجاه بعض المثيرات
لذلك يجب التعامل مع الفتاة بشكلٍ متوازن ومتعاطف، واحتواء الانفعالات الصادرة بشكلٍ مُتفهّم ومتوازن، لما في ذلك من الأثر البالغ في تركيب شخصيتها النهائيّة
التغيرات الاجتماعية
وهي من العوامل المؤثرة في شخصية المراهقة، حيث ترتبط هذه التغيّرات الاجتماعية بالتنشئة الاجتماعية السويّة في مراحلها العمرية السابقة، فتنشأ الفتاة متوافقة مع جماعتها سواءً داخل الأسرة أو خارجها أو العكس
تتعرّض الفتاة المراهقة للكثير من المواقف الاجتماعيّة التي تتوجّب عليها الاستجابة لها بشكلٍ مُناسب، فيركز لديها النموّ الاجتماعي تدريجيّاً من خلال تجاربها
يظهر اهتمام الفتاة بمظهرها الشخصي في ارتداء الملابس اللافتة للأنظار أحياناً، أو تقليدها لمن حولها في المظهر أو التصرّفات أو تقليدها للشخصيّات المعروفة
قد يظهر اهتمامها بالجنس الآخر، بالإضافة لنمو القيم والمعايير الاجتماعية؛ حيث تَميل إلى عملِ الخير ومُساعدة الآخرين ومشاركة أصدقائها انفعالاتهم
كما تُحاول الفتاة في هذه المرحلة تكوين علاقتها الاجتماعيّة المستقلّة، والخُروج من دائرة مَعارف الأسرة، والتوسّع في مشاركة الأفكار والخبرات مع أصدقائها
ارتباك نفسي
وبطبيعة الحال، فإن الفتيات على وجه الخصوص يكون لهن النصيب الأكبر في الارتباك النفسي المصاحب للبلوغ، نظراً لبداية حدوث الدورة الشهرية
وكذلك لأن التغيرات في المظهر تكون أكثر وضوحاً في الأنثى عنها في الذكر، وكلما حدث البلوغ في سن مبكرة كان وقع هذه التغيرات النفسية أكبر.
وعلى الرغم من أن هناك كثيراً من الدراسات التي رصدت ارتباط بداية الدورة الشهرية في عمر مبكر بالاضطرابات النفسية المصاحبة لحدوثها؛ مثل القلق والتوتر والحدة في التعامل
وكذلك التغيرات في طبيعة تناول الطعام، سواء بالإحجام عن تناوله، أو الإقبال عليه بشراهة، وتراجع الأداء الدراسي؛ بل وحتى الإقدام على تعاطي الأدوية المخدرة أو تجربة التدخين
كما أن التغيرات الجسدية بالضرورة تغير من طبيعة الحياة الاجتماعية للمراهقة التي لم تعد طفلة
وكل هذه الضغوط تسبب اضطرابات نفسية خاصة للفتيات اللاتي يختبرن بداية الدورة قبل عمر العاشرة
وهناك أيضا تغيرات عضوية في المخ والقدرات الإدراكية، وهذه التغيرات على الرغم من فائدتها في استيعاب كثير من الأمور المتعلقة بالانتقال من الطفولة إلى النضج، فإن حدوثها بشكل مبكر يمثل عبئاً نفسياً إضافياً
التعامل مع المراهق
لابد للمربين والآباء أن يتعاملوا مع المراهق والتغيرات التي تطرأ عليه بطريقة مناسبة مع كل هذه التغيرات التي طرأت على حياة الابن بعد أن دخل في مرحلة المراهقة
تظهر الحاجة إلى الوقوف إلى جانبه والأخذ بيده؛ حتى لا يكون وحيداً في مواجهة هذه التغيرات الشاملة التي سوف تدخله إلى عالم جديد لم يسبق له معرفته واختبار تفاصيله.
التغير في النهج والأسلوب التربوي وإعطائه حرية أكبر في تقرير شؤونه وتكوين وجهة نظره، ولكن مع بقائه تحت الأنظار والرعاية والانتباه، فهذه مرحلة حساسة جداً
لا يمكن فيها استخدام أسلوب الأوامر الصارمة والتعليمات القسرية، ومن جهة أخرى لا يصلح ترك المراهق على هواه؛ حتى لا يوقع نفسه في مشاكل قد تؤثر على مسار حياته وقناعاته وأفكاره
فلم يعد المراهق يقبل بالتوجيهات الجاهزة التي يجب تنفيذها كما تلقن له، بل يجب استخدام أسلوب النقاش والإقناع وشرح كل موقف على حدة من حيث آثاره، ويجب إقناعه بضرورة أن يكون على قدر من المسؤولية
يجب الاطلاع دائماً على اهتمامات المراهق الفتى والفتاة؛ حتى لا تؤذيه وتؤثر سلباً على سلوكه، فمن الممكن أن يقع المراهق فريسة للإدمان على إحدى العقاقير أو الخمور والتدخين بالنسبة للمراهق الذكر، أو الوقوع في علاقات غرامية وربما جنسية مشبوهة مع أناس غرباء وخطرين بالنسبة للجنسين وخاصة الفتيات المراهقات
التغيرات التي تتم في مرحلة المراهقة لا تقتصر على ما هو ظاهر منها، أو يمكننا ملاحظته فقط، وإنما هي شاملة في أبعادها على جميع المستويات الجسدية والهرمونية والنفسية وحتى الشكلية، وبالتالي سوف يتبعها تغيرات واضحة في شخصية المراهق
من هنا تأتي أهمية أن نتعرف على هذه التغيرات؛ كي نتمكن من الإحاطة بها والتعامل معها لنأخذ بيد المراهق حتى يتمكن من تجاوزها دون مشاكل أو آثار سلبية ليصل أخيرا إلى النضوج بنفس بسوية نفسية واجتماعية وجسدية تامة