أثار بلاغ صادر عن وزارة التعليم والتربية الوطنية بالمغرب نهاية الأسبوع الماضي جدلاً واسعاً وانتقاداً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث جاء القرار غامضاً ليقر بأن التعليم سيكون عن بعد مع الدخول المدرسي الجديد، مشيراً في نفس الوقت إلى الحضور الاختياري إن رغب الآباء في ذلك، وهو الأمر الذي خلف ردود فعل كثيرة ذهبت كلها في اتجاه الرفض والسخرية من البلاغ. وكانت الوزارة قد أصدرت بداية غشت الجاري بلاغاً تعلن فيه عن موعد الدخول المدرسي الجديد في السابع من سبتمبر المقبل.
ردود فعل غاضبة
ويأتي البلاغ الذي وُصف بالغامض وأحياناً بالعبثي، في وقت تعرف مناطق عدة في المغرب ارتفاعاً في عدد الإصابات بالكوفيد 19 وزيادة حالات الوفيات. وسرعان ما انتشرت صور وتعليقات ساخرة من القرار المباغث، وتساءل عدد كبير من رواد التواصل الاجتماعي عن مصير الأطفال بعد شهور قاسية من الحجر، وبعد تجربة صعبة للآباء مع أبنائهم خلال التعلم عن بعد. وقد أشار البلاغ أيضاً إلى أن امتحانات سنة أولى باكالوريا لم يُحدد لها تاريخ بعد، وهي النقطة التي أثارت غضب الكثير من أولياء الأمور وأبنائهم. واعتبرت وفاء الدخيسي، ترجمانة وأم لطفل وطفلة، أن ما جاء في البلاغ جنون، لأن تجربة التعلم عن بعد أيام الحجر لم تأت أكلها، وكان على الوالدين أن يبذلوا كل الجهد ليواكب الأطفال الدراسة، وهو أمر مضنٍ خاصة للآباء العاملين طيلة لليوم، كما أن القرار صادم لم تشرك فيه الوزارة لا الأساتذة ولا جمعية الآباء، فيما اعتبر الصحافي عمر أشن أن ما جاء به البلاغ عبث ولا يمكن أن يكون ما اقترحه البلاغ عملياً، ويسعى لمصلحة التلاميذ الذين تعبوا من هذه الوضعية، خاصة أصحاب السنة أولى باكالوريا الذين ظلوا عالقين لا يعرفون مصيرهم. واقترحت البرلمانية إبتسام عزاوي، أن يتم تأجيل الدخول المدرسي إلى غاية يناير من العام المقبل، واعتبرت أن التعليم عن بعد يعمق التفاوتات الاجتماعية والمجالية بين التلاميذ، وقالت إن الموضوع سيُطرح للنقاش في البرلمان. ومن جهتهم تساءل عدد من الإعلاميين عن كيفية اختيار الأب حضور ابنه في ظل الحالة الوبائية وتحميله المسؤولية بدل الإعلان عن مخطط شامل يراعي الظروف الصحية والنفسية الكاملة للمتمدرسين. وقال الدكتور محمد حسون أخصائي الأمراض النفسية والعقلية في بث مباشر على الفيسبوك، إن التعليم عن بعد له أبعاد نفسية سلبية على الأطفال وإن الطفل يحتاج إلى تعلم مباشر وتمثل قيم وسلوكات من الأستاذ والمعلم بشكل مباشر، وهو الذي سبق أن أشار في فترة الحجر إلى ضرورة فسح المجال أمام الأطفال لارتياد بعض الفضاءات العمومية لأجل اللعب ومزاولة بعض الأنشطة للتنفيس عنهم لأجل سلامتهم النفسية.
رسالة من أستاذ
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي رسالة مطولة من أستاذ إلى السيد وزير التعليم محمد أمزازي، يقترح فيها اختيار ثالث على الوزير وهو تأجيل الموسم الدراسي إلى حين انفراج الأزمة والقضاء على فيروس كورونا، مذكراً بالتجربة التي خاضها رجال التعليم للدراسة عن بعد، والتي كانت فاشلة حسب رسالة الأستاذ، معتبراً أن التعليم الحضوري مغامرة غير محسوبة العواقب داخل أوساط لم تع بعد خطورة المرض حسب تعبير الأستاذ. مشدداً على ضرورة مناقشة تأجيل الدخول المدرسي. في سياق آخر اقترح البعض جعل السنة بيضاء بدون دراسة، وهو الأمر الذي أدى إلى احتدام النقاش بين راغب ورافض بشدة لعواقب السنة البيضاء على المستوى التعليمي والتحصيل الدراسي للتلاميذ.
ولم يُحسم بعد الجدل في الدخول المدرسي الذي يخلق تخوفات لدى الأباء، فمن سيواكب الأطفال ويتابع معهم الدراسة عن بعد، وهل كل الأطفال لديهم إمكانية الحصول على النت خاصة المناطق النائية والهشة.
وفي نفس السياق استضافت القناة المغربية الأولى الوزير المغربي أمزازي، الذي أوضح أن الصيغة الحضورية ستكون اختيارية وتخص أساساً بعض المدن والمناطق التي لا تعرف انتشاراً للوباء، وعن كيفية الجمع بين التدريس الحضوري وعن بعد في آن واحد بالنسبة للأساتذة والمعلمين، رد الوزير بأن المهمة أوكلت لمدراء المدراس والمؤسسات التعليمية لتدبير الأمر. مؤكداً على أن الوزارة ستوفر إمكانية التواصل عبر النت لجميع التلاميذ.
ولايزال الجدل مستمراً وقلق الآباء كبيراً أمام تدبير أزمة هذا الدخول المدرسي في السابع من سبتمبر المقبل، والذي لا يشبه حتماً أي دخول مدرسي في حياتهم.