لا تخلو أيّة لائحة تضمّ المصمّمين الأكثر بروزاً في الشرق الأوسط من اسم الفلسطيني الإيطالي مصطفى خماش (1973)؛ الرجل الذي عمل مع معلّمين كبار في عالم الهندسة والتصميم، مثل: باولو بيفا وفيليب ستارك وزها حديد، يُعرف بأسلوبه التصميمي الفخم، الأسلوب الذي لا يتخلّى عن البساطة والمرح والفانتازيا.
تصوير | غيث طنجور
نصّ مقابلة "سيدتي" مع المصمّم خماش، في السطور الآتية.
مع التغييرات، التي فرضتها جائحة "كورونا" على نمط الحياة، وتحديداً على خيارات التصميم الداخلي في المشاريع السكنيّة، سواء لناحية البحث عن الراحة المطلقة أو التركيز على النمط التبسيطي، هل يتراجع التصميم الداخلي الفخم؟
بالعكس تماماً؛ الجائحة ألزمت الناس على ملازمة منازلهم لأوقات طويلة في كلّ يوم، وحدّت من النشاطات الخارجيّة، وبالتالي هي جعلتهم يتيقنون أنهم لن يجدوا الراحة سوى في دواخل مساكنهم، فصار تركيزهم ينصبّ على جعل الأخيرة تشبه الفنادق من فئة الخمس نجوم، وتحتوي على كل ما يحلمون به ويهوونه (ناد رياضي ومسبح وفسحة خارجيّة للاسترخاء ومجالس مريحة...).
تابعوا المزيد: المصممة الداخلية والفنانة الإماراتية مريم السويدي: أعشق تقديم الفن الإسلامي في شكل معاصر
في بداية مشوارك، عملت مع المعماري الإيطالي باولو بيفا (1950)، وبعدها مع الفرنسي فيليب ستارك (1949) والعراقيّة البريطانيّة زها حديد (1950- 2016). كيف صقل القرب من معلّمين كبار في عوالم الديزاين والهندسة تجربتك؟
كنت محظوظاً في العمل مع باولو بيفا بين سنتي 1997 و2004، علماً أنّه كان في تسعينيّات القرن الماضي يصنّف بأنّه أحد المصمّمين الخمسة الأفضل في أوروبا، وبصماته لا تزال حاضرة في شمال إيطاليا، وفي أوروبا عموماً، في ميادين هندسة العمارة والتصميم الداخلي والمفروشات. وعن طريق مكتب بيفا، صمّمت بيت فيليب ستارك في البندقية، كما عملت مع زها حديد على صعيد إحدى دورات معرض التصميم الهندسي الذي ينظّم في البندقية كلّ سنتين. وكان الثلاثة (بيفا وستارك وحديد) اشتركوا في مسابقة لتصميم قاعة للمؤتمرات (مبنى ضخم شبيه بالمتحف) في البندقية، المشروع الذي أشرفت عليه، وفاز في المسابقة. بعدها، قال لي بيفا: "ليس عندي المزيد لتعليمك إيّاه، أصبحت تعرف أسرار المهنة، اذهب وشقّ طريقك بنفسك"، وهكذا صار، فأسّست الأتيلييه الخاصّ بي.
ماذا عن مفاهيم "بابا الديزاين" فيليب ستارك؟ على الرغم من أن أسلوبكما التصميمي يختلف عن بعضكما البعض.. هل من تأثيرات له في مسيرتك؟
ثمّة ما يجذبني إلى أعمال ستارك، وهو طابعها الانتقائي الذي يجمع بين الكلاسيكيّة والمعاصرة، والبساطة، والمرح الذي يسيطر عليها، لا سيّما أن متلقّي أعماله هم أفراد ينتمون إلى مجتمعات تقلّ الرسميّات فيها، ويحبّون الهزل، بخلاف عالمنا العربي حيث الشكلانيّة لا تزال حاضرة في المجتمعات. تعلّمت من ستارك إضفاء المرح (أو الغرائبيّة) على الأعمال، وبالتالي كسر النمطيّة في الديزاين.
فلسفة الراحلة زها حديد لا تزال مثار جدل حتّى اليوم... ومشاريعها تبدو مهداة لعصر مستقبلي مغاير لذلك الذي أعدّت فيه.
تمتاز أعمال زها حديد بأنّ وظيفيّتها سرمدية؛ يشبه الأمر رؤية مآل مدرّج روماني في زمننا الحاضر، المدرّج الذي تغيّرت استخداماته بالطبع، لكنّه لا يزال قائماً، وهذا يتفق مع الفلسفة القائلة إن استخدامات أي بناء عليها أن تتكيّف مع الناس، وليس العكس. زها حديد كانت طليعيّة، وأعمالها في حقبة التسعينيّات رائدة، لناحية المواد المستخدمة في البناء والأشكال الهندسيّة والوظيفيّة، وهي مبنيّة ومصمّمة حتى تعايش مرور الزمن وتحولات حياة البشر. ويلاحظ أن هذه الأعمال "مينيماليّة" الطابع أي تبعد عن التزويق واستخدام المحلّيات في الهندسة، مع الاكتفاء بلون وحيد أو زوجين منه، وتتبع مفهوم "الأقلّ هو الأكثر" الصعب للغاية.
منذ تأسيسك شركة "كارت" في دبي (2004) حتّى السنوات الأخيرة قبل الجائحة، نجحت دبي في أن تصبح محطّة رئيسة تستقطب معظم المصمّمين العرب وحتّى الأجانب. حدّثنا عن طبيعة العمل في مكان تبدو المنافسة فيه في هذا الميدان على أشدّها، والنحو إلى التقليد بارز، والأذواق تعكس هوّيات مختلفة.
دبي مدينة تنافسيّة على كلّ الصعد، ومنها التصميم والديزاين. وفي "كارت"، تتوجّه أعمالنا إلى فئة كبار الشخصيّات التي تكون مطّلعة للغاية، ومتعلّمة تعليماً مرموقاً، وتسافر كثيراً، والتنافسيّة في هذا الإطار تتمثّل في تقديم ما هو "مختلف" عن المصمّمين الآخرين، وبجودة عالية، لإرضاء أذواقهم، بالإضافة إلى إيلاء أمر حضور جنسيات عدة (نحو 183 جنسيّة) في بيئة عالميّة مثل دبي، التي تمثّل مركزاً للديزاين في العالم، على غرار سنغافورة ولندن ونيويورك. التحدّي مثير، وحافز حتّى يتطوّر المصمّم في هذه البيئة، ويطوّر فيها أساليبه، فالتنافس في المدينة محلّي عالمي.
تلقّيت منحة للذهاب إلى إيطاليا، ودرس الهندسة في جامعة البندقية للهندسة المعماريّة، ولا تزال عبر "كارت" تؤمّن منحاً سنويّةً لطلّاب عرب راغبين في درس التصميم. هل في ذلك نوع من المسؤولية المجتمعيّة؟
بالطبع هي مسؤوليّة مجتمعيّة؛ فقد كنت محظوظاً في ملاحقة شغفي في التصميم، ومتابعة تعليمي الجامعي في البندقية، الأمر الذي لم تكن إمكانيّات أهلي ستمكّنني منه، كما غيّر مجرى حياتي. وفي هذا الإطار، أؤمن بمبدأ "أطباء بلا حدود" أي حقّ جميع الناس في الحصول على الرعاية الصحية بغضّ النظر عن الجنس أو العرق أو الدين أو العقيدة أو الانتماء السياسي، ولكنّي كمصمّم لا أستطيع الذهاب إلى أفريقيا مثلاً حتّى أبني المستوصفات أو المدارس لأن الأمر معقد ويحتاج إلى رأسمال و... والحاجة إلى المصمّمين عموماً تقتصر على فئة ضئيلة في من المجتمع، لكنّي أستطيع بالمقابل عبر التعليم المرموق والخبرة التغيير في الواقع. وللأسف، فإنّ أمر التعليم الجيّد للشباب في العالم العربي ليس متاحاً للجميع. وبالتالي، فإن مساعدة الشباب الراغبين في تتبع شغفهم، ودراسة التصميم، يهدف إلى أن يزدهر القطاع في منطقتنا العربيّة، وأيضاً حتّى يتغيّر الواقع إلى الأفضل. لذا، في كلّ عام، أصمّم منتجات فنّية تعرض في مزادات للبيع، ويعود ريعها إلى المساهمة في تمويل منح لطلّاب عرب يحلمون في خوض غمار عالم التصميم بتفرعاته، ويتطلّعون إلى الإبداع فيه.
ما هي المشاريع التي تعمل "كارت" راهناً عليها.
"بنتهاوس" في "نخلة جميرة" ومشاريع مكاتب وزاريّة في الإمارات، بالإضافة إلى منتجات فنّية لتمويل منح تعليميّة.
تابعوا المزيد: 6 نصائح ديكور "تنعش" المنزل في الربيع