إنّ المتجوّل في شوارع وأزقة مدينة تونس العتيقة يكتشف أسماءً غريبة وطريفة لها، وأحياناً مستهجنة ومنافية للذوق السليم على غرار شوارع تحمل أسماء «المشنقة» أو «الظلام» أو «الكبدة» أو «المحروق» أو «صبّاط العجم»، و«الصباطّ في اللهجة التونسيّة هو الحذاء».
ويسمّى الشارع غير الرئيسي في تونس بـ«النهج»، وهناك مثلاً نهج «عنق الجمل»، و«نهج السيّدة الشبعانة»، ونهج «العرّاك» و«زنقة الهرج» و«نهج العسل» و«زنقة الحرب» وغيرها، وقد تقدّم بعض سكّان هذه الشوارع بعرائض لبلديّة تونس العاصمة؛ لاستبدال أسماء بعض الشوارع، وانزعاجهم من إجبارية تسجيل هذه الأسماء الغريبة والمضحكة على بطاقات هويّتهم الرسميّة باعتبارها عناوين لمقرّات إقامتهم، وقالت إبتسام -وهي شابّة جميلة- إنها تخجل وتتضايق من اسم الشارع الذي تسكن به مع عائلتها وهو «نهج المشنقة»، وتضيف مبتسمة: «أرجو أن لا يتمّ التنصيص على عنواني في عقد زواجي الذي سأوقّع عليه قريبا».
وترفض البلديّة استبدال هذه الأسماء، وهي متمسّكة بضرورة المحافظة عليها بحجّة أن تلك الأسماء القديمة تحمل دلالات تاريخية، وأنها إرث ثقافي وحضاري تماماً كالتراث الهندسي والمعماري، فنهج «المشنقة» مثلاً يحمل هذا الاسم اعتباراً؛ لأنه كانت توجد في هذا الشارع في القرن السابع عشر معصرة زيت مهجورة؛ اتخذتها السلطات في ذلك العهد لوضع المشنقة بها بعد تنفيذ أحكام الإعدام، التي كانت تقام في ذلك الزمان علناً، وفي الساحات العامّة، كما توجد في مدينة تونس العتيقة «زنقة القلش»، والقلش هو نوع من السيوف برع الحدّادون في ذلك الشارع في صنعه.
أمّا شارع «عنق الجمل» فاسمه مطابق لطوله والتوائه، وقد قبلت البلديّة في وقت سابق باستبدال اسم شارع يحمل اسم «الحلّوف» -وهو في اللهجة التونسية يعني الخنزير- وكان الفرنسيون زمان الاستعمار يبيعون الخنازير بهذا الشارع. وبعض أسماء الشوارع مرتبطة بقصص شعبيّة وحكايات ضاربة في القدم.
والملاحظ أنّ اللوحات الزرقاء المكتوبة عليها أسماء هذه الشوارع تمّ جلبها من فرنسا في السنوات الأولى للاستعمار الفرنسي لتونس، وتم وضعها منذ عام 1885.
المزيد: