رامي طفل في السَّابعة من عمره، كان يقطن مع والديه في إحدى أطراف القرية الصغيرة التي ولد فيها الطفل، وكان اسم القرية هو قرية الأوقات الدقيقة، وأمَّا سبب تسميتها بهذا الاسم فهو بسبب التزام أهل تلك القرية الصغيرة بدقة الوقت، واحترام المواعيد، حتى انتشر ما يميزهم بين أهالي القرى والمدن المجاورة لهم.
فقد اتفق أهالي القرية الصغيرة فيما بينهم على أن يضع كل واحد منهم على باب بيته، ساعة يستفيد منها المارة في الطريق، وهذه الساعة تعطي ألحاناً خاصة عند مواعيد الإفطار والغذاء والعشاء، حيث تقاسم أهل القرية، دعوة الغرباء الذين يمرون على طريق القرية على هذه الوجبات، التي كانت تقدّم ما تجود به مزارعهم.
تناقل أهالي القرى المجاورة، قصة أهل القرية مع ساعاتهم، حتى أطلق عليها الغرباء اسم الأوقات الدقيقة، وانتشر الاسم بعد ذلك بين الجميع. حياة رامي بأكملها كانت منظّمة بدءاً من موعد استيقاظه حتى تناول إفطاره، ومروراً بمواعيد ذهابه إلى المدرسة، وليس انتهاء بمواعيد لعب كرة القدم.
في يوم من الأيَّام أتى سالم إلى رامي وقال له: ما رأيك يا رامي أن نذهب إلى القرية المجاورة، فقد سمعت الكثير عن المغامرات التي تحدث في ذلك المكان، فأهلها مرحون ليس لديهم أي التزام بالوقت، يعيشون حياتهم كما يريدون، فالأطفال هناك يأخذون طعامهم إلى البستان، ويلعبون طوال النهار، ولا يلتفتون لأي وقت، حتى أن أطفالهم إذا لم يعجبهم توقيت الذهاب إلى المدرسة صباحاً، يؤجلونه ويعودون إلى فراشهم.
فقال رامي: ولكن يا سالم، هذه ليست حياة مرحة، هي عشوائية ولها عواقب، فالحياة ليست كلّها لعب، كما أنَّ والدينا لا يقبلان بذلك الفعل وسنوبَّخ بكل تأكيد، قال سالم: يبدو أنك مملّ ولا تحب المغامرة، لن نخبر أحداً بذهابنا، كما أن صديقاً، اسمه وليد، دعانا لنلعب معه في حديقة بيتهم المليئة بالمراجيح، في اليوم التَّالي، وكان يوم عطلة، جاء سالم منذ الساعة السابعة صباحاً وقال: هيَا هيَّا يا رامي نريد أن نلعب أسرع، فخلع كل منهما ساعة يده، تاركاً إياها في قريته، وأمسكا بأيدي بعضهما ليخوضا مغامرة لا يعرف أي منهما عواقبها.
عبر الطفل رامي حدود قريته، مع صديقه سالم، وغاب عن الزمن متناسياً، أي التزام بالعودة إلى موعد الغداء، ولمَّا وصلا إلى ذلك المكان كان الطفل وليد بانتظارهما، وركض الثلاثة نحو الألعاب في الحديقة، وأمضوا يومهم مع باقي أطفال القرية في اللهو والرسم، كان رامي، من وقت إلى آخر، يطالع بناظريه جدران بيوت القرية وأبواب متاجرها، علّه يجد ساعة تدلّه على الوقت، لكنه لا يجدها، فيعود للهو غير مدرك أن أهله سيقلقون لغيابه. أما سالم فكان مستمتعاً باللعب غير آبه لأي ساعة ولا لأي وقت.
وعندما حلّ الليل، أيقن رامي أنه وقع في مأزق، وراح يستعجل صديقه سالم للعودة إلى البيت في القرية المجاورة، فالمسافة ليست قريبة، كما أن السير ليلاً عبر المزارع محفوف بالمخاطر. فالساعت تقارب الـ 12 منتصف الليل.
أمسك رامي يد صديقه سالم، بينما رافقهما والد وليد، المزراع الشهم، وهو يحمل قنديلاً ليوصلهما إلى مشارف قريتهما، وقبل أن يصلا إليها كانت حشود من أهل قرية الأوقات الدقيقة، منتشرة على الطريق، وينادي رجالها: "يا رامي ... يا سالم".
شعر الطفلان بمدى محبة أهل القرية لهما، وركضا حتى عانق كل طفل والده، عندها أمسك والد رامي بمعصم ابنه وقال له: "أين ساعتك، ألم تنتبه إلى أن الوقت قد تأخر".
ارتبك رامي وقال: نسيتها في البيت، وخرجت من دونها.
فقال الأب: ألم تلاحظ الوقت في بيت صديقك.
التفت رامي إلى صديقه سالم، الذي قال مسارعاً، لم يكن في القرية كلّها إلا ساعات الكهرباء .
هنا تعالت ضحكات أهل القرية، الذين أدركوا أن الالتزام بالوقت جميل، لكن ليس إلى درجة تضييق الخناق على الأطفال، وإلزامهم باتباع قوانين قرية الأوقات الدقيقة ومحاسبتهم على دقائق يومهم. حيث اجتمع أهل القرية في اليوم التالي، وقرروا إعطاء الأطفال فرصة أكبر للعب، خصوصاً في أوقات العطلات المدرسية.