حراس المباني.. والأمن المفقود

5 صور

تجدينه جالساً على كرسيه أمام مدخل بنايتك، بعضهم ينشغل بهاتفه الجوال، تفاجئين بأنه يرد بكلمات مقتضبة، وإن سألت سؤالاً آخر يعطيك الإجابة نفسها، ولن يطول الأمر حتى تكتشفي أنه لا يجيد لا العربية ولا الإنجليزية... هي إحدى المشاكل مع رجال الأمن في البنايات، أما الباقي فحدث ولا حرج!

أثارت قصة التحقيق عندما دخلت صديقتنا «لبنى» إلى البناية التي تقطنها، وهي على موعد مع شركة الغاز لإجراء التوصيل، كانت هي الساكن الثالث في البناية الفارغة، فسألت رجل الأمن: هل رأيت رجلاً من شركة الغاز؟ فقال لها: نعم، هو يعمل في الطابق الثاني. وعندما طلبت منه أن يرافقها كي تشعر بالاطمئنان رفض، وقال لها: لا أستطيع أن أترك مكاني.

الشابة بعد أن أنهت مشكلتها مع شركة الغاز اتصلت بالمسؤول عن بنايات المنطقة النائية تلك، وقال لها: ليس من مسؤولياته أن يرافقك لأي أمر، ولكن اطمئني، هو إذا سمع صراخك لو تعرضت لخطر فستجدينه أمامك بالتأكيد!
تعلّق لبنى»: «ماذا إذا حصل لي مكروه، وهو لم يسمع صراخي أصلاً؟».
في اليوم نفسه، فاجأنا «فؤاد سليمان»، اختصاصي تجميل أسنان، وهو يضحك؛ فقد دخل بناية يسكن فيها ابن خالته في منطقة بـ«دبي»، وإذا بحارسي الأمن نائمين في وضح النهار، كل منهما يتكئ على الآخر كما الأفلام الكوميدية.

سرقة بضجة!
وهو ما أثار شجون «نورة»، موظفة، تسكن بالقرب من مول تجاري، حيث تعرض منزلها للسرقة، رغم أنها تعيش في الطابق السادس، وللبناية أكثر من حارس أمن، إلا أنه لم يسمع صوت كسر الباب الذي استخدم في فتحه مطرقة كبيرة. يدور في ذهن أصحاب المنزل المسروق سؤال، وهو أين كان حارس الأمن؟.. وتستطرد «نورة»: «إلا إذا كان «حاميها حراميها»!

مشكلة حارس الأمن في الأبراج والبنايات السكنية بحسب عدد كبير من القاطنين فيها هو إحساسهم بعدم فائدتهم في بعض الأحيان، والسبب في ذلك مرده اللغة وصعوبة التواصل معهم؛ إذ إن غالبيتهم لا يتقنون سوى لغة بلدانهم «الآسيوية أو الأفريقية»، والقليل من الكلمات الإنجليزية التي ينطقونها بلكنة بلدهم الأم، والشواهد في ذلك كثيرة جداً.

«رائدة محمد»، ربة منزل، تعيش في برج على «بحيرة خالد» في «الشارقة»، ومشكلة حارس الأمن هي اعتقاده بضرورة وجوده في الاستقبال فقط، وتسرد واقعة حدثت لأحد أبنائها الصغار بأنه أغلق باب الحمام، فاستدعته لكنه للأسف لم يتمكن من فتح باب الحمام، ومن قام بذلك أحد الجيران الذي سمع صوتها وصوت طفلها يبكي؛

أين الضوابط؟
غالبية حراس الأمن في البنايات غير مؤهلين للعمل فيها بسبب ضعف إمكانياتهم، برأي «سعيد خلف الراضي»، موظف في شركة «الزيوت البتروكيميائية» بـ«دبي»، ولكل وظيفة مهارات ينبغي إتقانها، لكن شركات جلب هذه الفئة من العمالة تنظر إلى الأيدي العاملة الرخيصة، دون النظر إلى ما يمكن أن تؤديه في وظيفتها.

في بعض الأحيان يكون الحارس الذي وجد لدرء الخطر عن القاطنين هو مصدر الجريمة، كما حدث للطفل ابن العشر السنوات في أحد الأبراج السكنية في «دبي»، والذي تنظر المحكمة بأمره؛ إذ تعرض لتحرش جنسي من قبل حارس الأمن في البناية، والذي يبلغ من العمر «36 عاماً».
هذا قد يبرر مشكلة «درية علي»، ممرضة، حيث يكمن خوفها في أن للحارس أحياناً نظراته الغريبة الفاحصة. وتابعت: «حتى أشكالهم غير مريحة، وينبغي أن يكونوا على أقل تقدير لديهم إلمام باللغة الإنجليزية، وعندما نتحدث إليه يرد بلغته، معتقداً أننا سنفهم ما يقول، ونضطر لاستخدام لغة الإشارة معه».
تتساءل «درية»: ما الذي بإمكانه القيام به لو حدث أمر جلل كحريق أو تعرض أحد لاعتداء ما، كيف نستنجد به؟ تعلّق: «ملاك البنايات لا يهمهم سوى استخدام أيد رخيصة تتقاضى راتباً متواضعاً، مع أن حارس الأمن ينبغي أن يكون صمام الأمان للمكان الذي يعمل به».

لا فائدة
الملازم أول «خالد عبد الرحمن الحمادي» رئيس قسم شركات الأمن الخاص بإدارة نظم الحماية في «دبي»، كشف بصراحة عن تطبيق قرار زيادة رواتب حراس الأمن الخاص لكافة الشركات العاملة في «دبي»، بحيث يكون الحد الأدنى للراتب الأساسي 1200 درهم، وفقاً للقرار رقم 12 لسنة 2012، يعلّق الملازم خالد: «رواتب بعضهم تصل أحياناً إلى 600 درهم شاملة، ما أدى إلى تدني مستوى الخدمة المقدمة».

ورغم ذلك بدا «راكشي سال»، وهو حارس أمن في بناية بـ«الشارقة» مقبلاً على اللقاء الذي رفضه الكل؛ خوفاً من أي مشكلة، وقال: «أنا هندي الجنسية، تعلمت بعض الكلمات باللغة العربية، وبدأت أتحدث بالإنجليزية، وأكبر ما أواجهه هو التعامل معي بشكل مزرٍ، واستخدامي في غير ما وظفت به، كما أن بعض السكان يطلبون مني ترك مكان عملي؛ لأجلب لهم مشترياتهم وغيرها، وهذا قد يفقدني وظيفتي».

بعض ما قاله «راكشي» تعترف به «بيزا دال»، موظفة في مكتب لجلب الخدم والأيدي العاملة في «عجمان»، فهناك ضوابط لجلب حراس الأمن في البنايات، وهي أن يكونوا من فئة عمرية لا تزيد عن «40 عاماً»، وأن تكون لديه شهادة حسن سير وسلوك، لكنها تستدرك: «الشهادة الدراسية غير مهمة، وغالبية الملاحظات التي ترد للمكتب هو عدم وجود لغة تفاهم بينهم وبين السكان، كما أن بعض البنايات توظف بعيداً عن المكاتب، مثل: جلب عامل لدى مالك البناية لقريب أو أخ له من بلده، وهنا يكمن الخطر».

تدريب
بدأت إدارة الدفاع المدني في «الشارقة» في تنظيم زيارات تفتيشية للبنايات والأبراج السكنية؛ للوقوف على المخالفات الشائعة التي يرتكبها الملاك، وحصر أعداد حراس أمن المباني؛ لتدريبهم على التعامل مع الحرائق. هذا ما أكده مدير إدارة الدفاع المدني في «الشارقة»، العميد «عبدالله سعيد السويدي».