في قلب كُل مِنا طِفلٌ بريء، أحياناً يلعب، يتألم، يحزن ويفرح، وتتراقص ملامحهِ بالتعبير عما بداخلهِ، من دون تخفٍ أو خجل، في داخل كُل مِنا تعيشُ مشاعِرنا البريئة، فِطرتنا التي وُلِدنا عليها، تِلكَ البراءة المُتمثلة في ملاك بشري، يسكُن في أعماق الصدور، يتردد على خواطِرنا بين الحين والآخر، تُطالبنا بالتخلي عن تِلكَ المظاهر الخادِعة، وتِلكَ الملامح المُتماسِكة أمام أعيُن الناس، وتِلكَ السلوكيات المُتحفِظة والملتزمة بعادات الناضجين وتقاليدهم تُطالبنا بأن نتذكر أياماً مِن الماضي السحيق، حينما كُنا صِغاراً نتحرك ونلهو بحرية، ونتحدث من دون رقيب أو مُحاسِب، كم كُنا نستمتع بمذاق مُختلف مِن الحرية حين كُنا صِغاراً لا نُدرِك ماهية الحياة ولا نحمل همومها، كم كانت عقولنا فارغة مِن الذنوب والمشاكل والهموم والآثام، عقولاً نقية لم يُلوثها الدهر، و لَم تُثنها أسواط القدر.
وحينما كَبُرنا، ونضجت عقولنا، وأدركنا كيف تَعمَل الحياة وكيف تسيرُ بواخِرها، عقدنا الحاجبين، وبدت ثنيات الجلد على الوجوه، وانفرطت مِنا البراءة عن آخِرها، فصِرنا مُصنَعين مِن الحديد، خاضعين لهيبة العُمر وقسوة الضمير، مُلتزمين بصِفات الناضجين و هدوئهِم المألوف، لا نتحدث إلا عِند الضرورة، ولا نَتفوهَ إلا بِكُل ما يُفيد وينفع، أما ما تبقى مِن أوقاتِنا فالصمت هو المُهمين علينا، ما هذا الجمود المُتحَكِم بِنا، وإلى متى سنظل عالقين في تِلكَ المرحلة مِن النضوج الذي لا ينتهي، ألم يأن الوقت لنحصل على قسط مِن الراحة، فنُطلق العنان لعقولنا أن تلهو قليلاً، أن تعود إليها براءة الصِغار وحماقتهم، أن نضحك ضحكاتٍ نقية لا يشوبها غُبار الزَمن وأهواله، أن نتحدث بحُرية من دون التزام بقواعِدٍ للحديث أو أوقات، يا لها مِن حُريةٍ نفتقدها، حين نعود أطفالاً لا تُحركنا سوى تِلكَ الفِطرة البريئة الساكِنة صدورنا، لا نكترث لأحاديث الناس ونظراتِهِم، لا نهتم بالنتائج والأسباب، ما يهمنا فقط أن نقضي بِضع لحظاتٍ في جنةِ الصِغار، ونلوحُ في الأفُقُ مُغردين، فَرحين بتلِكَ اللحظات الطفولية، والأفعال الجنونية التي تُضفي سعادة على قلوبِنا، فليسع كُل مِنا إلى تذوق تِلكَ السعادة والتخلي عن ذاك الهُلام المُحيط بهِ، لنكسر القيود قليلاً من دون أن يشعُر أحد، ونتحدث حتى مع أنفُسنا بكلماتٍ لا تَمُت للواقع بصِلة، نتصرف بتلقائية ونرى، كيف نفتقد حقاً لطفولةٍ تفصِلنا عن الواقع للحظات.