قصة - لينا الحوراني
تعيش الطفلة سلمى، التي لم تتجاوز الخامسة من العمر، في حيّ مليء بالأطفال، يخرجون منذ الصباح، لينالوا حصتهم من اللعب والشقاوة والشغب. كانت سلمى الابنة الرابعة لأب موظف وأم ممرّضة، بينما أكبر إخوتها لم يتجاوز العاشرة من عمره.
في فصل الصيف، ألغت والدة سلمى السيدة سعاد أحلام ابنتها سلمى باللعب مع الأطفال، وأصرّت على إلحاقها بمدرسة صيفية، رغم عدم رغبة سعاد من جهة، ومعارضة الأب من جهة، الذي قال للأم:
لماذا أنت مستعجلة، دعي سلمى تلهو وتمرح مع الأطفال في الحي، فالكل في إجازة مدرسية، كما موسم المدرسة ليس ببعيد، دعيها تأخذ نصيبها من الراحة، ريثما يحين موعد الالتزام والصحو باكراً.
كانت السيدة سعاد مصرّة على إلحاق سلمى بالدوام الصيفي، حتى تتعود على تنظيم وقتها الصباحي والمسائي، استعداداً للسنة الأولى من الدراسة، ولتشعر أيضاً بالأمان أن ابنتها الصغيرة، تحت رعاية آمنة ريثما تعود هي من دوامها في المستشفى. المهم أنّ كل محاولات سعاد برفض الذهاب إلى المدرسة لم تنفع.
مرّ أسبوعان على الالتزام بالدوام، وفي صباح يوم الخميس الثاني للدوام، وقف باص المدرسة القديم أمام منزل الطفلة سلمى، شعرت برغبة بالبكاء، وتمنّت لو أن أمها تناديها وتعود بها إلى البيت قبل أن تصعد إلى الباص، لكن ذلك لم يحصل، كان الباص يمر بتمهل على الأبواب، كي يجمع القليل من أطفال الحي، بينما عينا سلمى تراقب الأطفال أمام عربات الحلوى، وهم يشترون قمعاً كبيراً من "غزل البنات"، حتى وقف الباص أمام منزل صديقتها سهاد، التي كانت تُسمع الحي صريخها كل يوم، وهي ترفض الذهاب، وفي صباح يوم الخميس بالتحديد، تغلبت سهاد على أمها، التي رضخت لها، عندما راحت تبكي على الأرض، وتطلب العودة للعب مع أطفال الحي، ومشى الباص في طريقه، بينما راحت سلمى تفكّر كم هي محظوظة سهاد، لأنها ستستمتع بثلاث أيام كعطلة لنهاية الأسبوع.
في صباح يوم الخميس، وعندما وصل الأطفال إلى المدرسة، جلس كل اثنين في المقعد الخشبي، بينما اختارت سلمى المقعد الخلفي من الغرفة الكبيرة، بعدها دخلت المعلّمة رئيفة، بقامتها الطويلة والنحيلة إلى الفصل، وهي تحمل فنجان قهوتها، بين أصابعها، ثم رفعته حتى كاد يلامس أنفها المدبب، ووقفت خلف المنضدة، وسألت الأطفال: هل تعرفون ما هو اليوم؟
اعتقد التلاميذ أنه يوم ذكرى ميلاد أحدهم في الصف، وراحوا يرفعون أيديهم للإجابة، لاختيار طفل قد يكون ذكرى ميلاده اليوم، لكن المعلّمة رئيفة قاطعتهم قائلة: إنه يوم الاعتراف المدرسي!
استغرب التلاميذ، وفكّرت سلمى أنه يمكن أن يوزعوا الحلوى في يوم الاعترافات المدرسية هذا، ثم قالت المعلمة: على كل من في الفصل أن يكشف اليوم عن كذبة قالها لأمّه، ولا زال يخبئها، وأنا سأمرّ عليكم واحداً واحداً لأسمع الاعتراف، وكونوا على يقين أن من يكذب اليوم سيُكتب ذلك على جبينه!
راح التلاميذ يلمسون جبينهم، بحثاً عن مرآة أو أي شيء يمكن أن يُظهر كذبهم، كما قالت المعلمة، وفي هذا الوقت، راحت سلمى تتذكر الكذبة التي قالتها لأمها ولازالت تخفيها، وخطر في بالها قطعة الحلوى، التي خبأتها تحت السرير لأيام، وتسببت في جمع النمل، ولم تعترف لأمها أنها من وضع الحلوى، وقبل أن تصل المعلمة إلى مقعد سلمى، رن جرس الفسحة، هنا قالت المعلمة: السنة القادمة سنكمل ما تبقى من يوم الاعتراف المدرسي، لن تكونوا في هذا الفصل، لكن لا تكرروا كذباتكم.
في ذلك اليوم سارعت سلمى إلى أمها وأرادت أن تعترف، بأنها من وضع الحلوى تحت السرير، لكنها ترددت، وقررت الاحتفاظ بهذا السرّ إلى أن تكبر.