طبَّقت السعوديَّة نظام الخلوة الشرعيَّة بين السجين وزوجته، أو السجينة وزوجها، منذ نحو أربعين عاماً، وهي بذلك لها الريادة بين الدول العربيَّة كلها، من مبدأ إشراك السجين في حياته الاجتماعية؛ فهل تعدّ الخلوة الشرعيَّة للسجين وممارسة العلاقة الحميمية خلف القضبان أمراً ضرورياً للزوج وللزوجة؟
هذا السؤال طرحه «سيِّدتي نت» على مساجين سابقين وزوجاتهم، حيثُ رووا تفاصيل إجراءات الإقدام على الخلوة الشرعيَّة، وممارسة حقوقهم في العلاقة الحميمية.
عن تجارب الخلوة الشرعيَّة، شكا رشدي، وهو سجين سابق في قضيَّة تعسر ماليّ، من عدم وجود صيانة أو اهتمام بالمكان الذي تتم فيه الخلوة، ولكنَّ السجين يستفيد من الخلوة بأنَّه يرى زوجته وأبناءه الصغار، كما أنَّ مواعيد زيارة الزوجة تكون الساعة الثامنة صباحاً، وحين تدخل لزوجها حتى تصل إلى مكان الخلوة تكون الساعة قد وصلت التاسعة، وتتعرَّض للكثير من المتاعب خلال دخولها، علماً بأنَّها يكون معها كارت زيارة، ومن المفروض أن يسمح لها بالدخول من دون تأخير».
زيارة السجين
تقول زوجة رشدي: «لم أكن أذهب إلى رشدي في السجن للزيارة، إلا لكي يرى أولاده ويروْه، فهذا من باب الرحمة والعدل له وللأولاد، ولولا هذه المهمَّة ما ذهبت أبداً إلى السجن؛ خصوصاً أنَّ زوجي كان محبوساً في قضيَّة تعسر ماليّ، ولم يكن مجرماً».
ويقول أحمد، وهو سجين سابق في قضية تعسر ماليّ أيضاً: «الخلوة الشرعيَّة لا بأس بها»، ويستدرك: «لكنَّ هناك الكثير من المشاكل، والتي تتمثَّل في أنَّ الغرف سيئة للغاية، كما أنَّ الوقت قصير جداً، فثلاث ساعات لا تكفي أبداً للزيارة، كما أنَّ الخلوة الشرعيَّة تثبت أن المرأة تقف إلى جوار زوجها في أحلك لحظاته وأوقاته، وأقترح أن تسمح إدارات السجون بزيارة خارج السجن لمدَّة 24 ساعة بموجب كفالة حضورية، فهذا أفضل».
الرأي نفسه أكَّدته زوجة أحمد التي قالت: «الخلوة الشرعيَّة للسجين مع زوجته أفضل من حرمان الأزواج من اللقاءات التي تحافظ على كيان الأسرة، لكنَّ من المفترض أن يتم توفير أماكن أكثر نظافة، ويكون هناك اهتمام أكبر بالسجناء، طالما تمَّ توفير أماكن لهم للخلوة الشرعيَّة».
فلل للخلوة داخل السجون
يتساءل الباحث في علم الجريمة والعقوبة الدكتور مضواح آل مضواح: «إنَّ الإلحاح في زيادة مدَّة الخلوة دفع السجون في المملكة إلى ابتكار «اليوم العائلي»، فتم إنشاء فلل في أماكن مناسبة داخل السجون، يقضي فيها السجين يوماً كاملاً مع زوجته وأسرته، وهي فلل مؤثثة تأثيثاً كاملاً، ويتم بواسطة الأخصائية الاجتماعية حث الزوجة على القيام بطبخ وجبتي الإفطار والغداء داخل هذه الفلل لزوجها السجين، ومن حضر معها لقضاء «اليوم العائلي»، وأنا أستنكر نظرة البعض بعدم ضرورة الخلوة الشرعية، فلماذا يتم حرمان الزوجة من زوجها، ثمَّ لماذا ينظر البعض للأمور بهذا الشَّكل الموغل في المثاليَّة؟ ألا يرون أنَّ في معظم مجتمعات الدنيا يقبِّل الرجل زوجته في الأماكن العامَّة، وقد يحضنها، فما المشكلة إذا أُتيحت للزوجين فرصة للخلوة في مكان مستور؟!
وعن ردود الأفعال للخلوة الشرعيَّة التي رصدها آل مضواح من خلال عمله يقول: «يمكنني القول إنَّها إيجابية تماماً بدليل سعي الزوجين للحصول عليها، وانتظام الزوجات في الحضور، وحرصهنَّ على الوقت، وكذلك نلاحظ انتظام سلوك السجين المرخَّص له بالخلوة الشرعيَّة، وحرصه على مواصلة دراسته العامَّة والجامعيَّة، وانتظامه في مراكز التدريب المهنيّ».
شيء من الإهانة
يؤكِّد عضو مجلس الشورى الأسبق، الأستاذ في جامعة الملك سعود الدكتور محمد آل زلفة أنَّ المشرِّع لم يقر الخلوة الشرعيَّة إلا لأنَّها تعدّ حقاً من حقوق الإنسان التي يراعيها المشرِّع، أمَّا عن ذهاب السجين إلى زوجته في البيت، بدلاً من ذهاب الزوجة إليه في السجن؛ لممارسة العلاقة الحميمية بينهما فيما تعارف عليه بالخلوة الشرعيَّة، فيقول آل زلفة: «هناك من السجناء من يذهب إلى بيته، لكن هذه الحالات وفق قانون يسري عليهم، ولا يكون لكلّ الحالات التي يخشى عليها الهروب من السجن، إذا تمَّ توفير هذه الحالة لها بدعوى الخلوة الشرعيَّة».
قضاء وطر
أستاذ علم الاجتماع في جامعة القصيم الدكتور عبدالعزيز المشيقيح، يقول: «إنَّ ممارسة العلاقة الحميمية بين الزوجين داخل السجون تعدّ أخف الضررين، فلا يمكن أن يتم توفير مكان مثل المنتجعات السياحيَّة داخل السجون، إنَّما الأمر قضاء لوطر الزوج والزوجة، وإنَّ من الإنسانيَّة التي اعتبرتها السعودية في مراعاتها لأحوال السجين أن تخصص وقتاً للسجناء الذين يتم سجنهم مدَّة طويلة ليلتقوا بزوجاتهم، وليس هذا إكراماً للسجين بقدر ما هو إكرام للمرأة الزوجة التي لا ذنب لها في جرم زوجها سوى أنَّها زوجته، وعلى الرّغم من أنَّ الأمر في البداية قد تشعر فيه المرأة بالإهانة من نظرات من حولها من أهل وصديقات وجيران عند ذهابها إلى زوجها في يوم الخلوة الشرعيَّة، إلا أنَّها تعتاد بعد ذلك على الأمر، وأعتقد أنَّ ذلك أخف الضررين بدلاً من حرمانها منه تماماً».
مطالبة بإعادة النظر
يقول المستشار القانونيّ عدنان الصالح: «إقرار الخلوة الشرعيَّة لسجين أمر منطقيّ وعادل، ولكن من أبرز الإشكالات هي طريقة تطبيق هذا الإجراء، حيثُ نص نظام السجن والتوقيف على تهيئة مكان مناسب داخل دور التوقيف لتلك الخلوة، والأمر بالتخيير وليس بالإلزام، وكان الأفضل والأولى الحفاظ على كرامة المرأة بشكل خاص، والسماح للسجين بالمبيت كل أسبوع لمدَّة 12 ساعة في بيته، مع التزامه بكفيل حضوريّ أو غارم عند تغيبه أو هروبه».
درء للمفسدة
عن ممارسة العلاقات الحميمية في السجون فيما يسمى بالخلوة الشرعيَّة، يقول عضو مجمع الفقهيّ الإسلاميّ العالميّ الأستاذ الدكتور محمد النجيمي: «العلاقة الزوجيَّة يجب أن تكون بالشَّكل الأفضل، وأستقبح أن تكون الحراسة قريبة من غرفة الخلوة الشرعيَّة، وهذه العلاقة لن تكون مثلما تتم في البيت، وهذا يعدّ من باب أخف الضررين، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فمن الصَّعب بقاء السجين في السجن من دون معاشرة زوجته فترة طويلة، وندرأ هذه المفسدة بإتيان الزوجة إلى زوجها في السجن، وقد تعارف الفقهاء على ذلك منذ القدم، ونجده في المدونات الفقهيَّة منذ مئات السنين».
«سيِّدتي نت» يطرح السؤال على السيِّدات: هل تقبلين ممارسة العلاقات الحميمية خلف القضبان؟