دائماً ما نرفُض المُعطيات، ونُطيح بما قُسِم لنا مِن حقوقنا في الحياة، تُغرينا أساوِر الطمع ومتعته، تغُرنا صور باهِتة تتحرك مِن حولنا، من دون أن نعرف حقيقة تِلكَ الصور أو تفاصيلها، كُلما رأينا إحداها تركنا ما بأيدينا وهرولنا في سُرعةٍ جنونية، وكأن حياتنا مُعلقة في مُقتنيات الآخرين، والغريب في الأمر، أنهُ ما إن وصلنا إلى إحدى تِلكَ العجائب المُغرية، فلا نلبث أن نُدير وجوهنا نحو مُغرياتٍ أُخرى، هكذا هي طبيعة الإنسان مُنذُ أن وُجِد، لا يَرضى بقدرهِ ونصيبه مِن الدُنيا، ويسعى للفوز بأقدار الآخرين، يَجتَهِد لسنوات مِن أجل الوصول إلى غاياتٍ لا يستحقها، حتى وإن كانت تِلكَ الأطماع فوق قُدرتهِ وإمكاناتهِ، فقد تعلق القلبُ بِها، وسيفعل أي شيء مِن أجلها، لا يَملك سوى التفكير بالغاية، من دون إدراك معقولية الوسيلة، رُبما تكون النتائج كارثية إذا حاول الحصول على مطالبهِ، رُبما يخسر الكثيرين مِن حولهِ، رُبما يبتعد عن أقرب الناس إليه: زوجته، أولاده، وعائلته الوحيدة، لكن حِبال رغبتهِ أقوى مِن أن تُقطع بتِلكَ الروابط الإنسانية الذائِبة، يحاول أحبابه نُصحه وإرشادهُ، بأن يرضى بما كُتب لهُ ولا يجذِبهُ ذَلِك السراب البالي، يَخافون عليه ألا يعود مرة ثانية إلى طبيعتهِ، أن تُغيرهُ تِلكَ الأطماع إلى الأسوأ، أو رُبما يقع في فخ سلاسل المُغريات، فما أن يخطو خطواتهِ الأولى للحصول على أول مطلب إلا وتزداد مطالبه، وتتساقط كُل قناعاتهِ بالمُعطيات الحالية..
تِلكَ السيارةٍ الفارِهة، والمنزل الضخم، والجسد المثالي، جميعها عُنوان للأناقة والتميز في هذا العالم، لا يستحقها سوى العُظماء، وأنا كذلك عظيم وأستحق ذلك، وما بالي أتجاهل تِلكَ البلاد الأشبه لجنة الأرض في جُزُرها وأراضيها الواسعة ومبانيها العتيقة، وكيف أرحل عن الحياة قبل أن أُشبِع عيني برؤية تِلكَ العوالم الموازية، هكذا أغرت صديقنا هذا مفاتِن الدُنيا وجمالها، وكيف يُحقق تِلكَ الأهداف من دون أن يحصُل على مبالغ مِن المال، وما يَملُكهُ لا يكفي حتى لشراء إطار لسيارة الأحلام، فصار يسأل الآخرين أموالاً، وتتثاقل فوق رأسهِ الديون، يُكتب اسمهُ في سجلات السلف عند الآخرين، الجميع يُطالبه بالأموال: البنوك، صناديق الاقتراض، الأصدقاء، وحتى العائلة، الجميع يُطالبونهُ بسُرعة سداد ما حصل عليه، وهو في غُرفتهِ البارِدة، يُفكر فقط فيما يود شراءهُ وتحقيقهُ، من دون التفكير في الخطوات المُقبلة، ولا حتى حساب ما إذا كان يستطيع سداد تلك الديون المُتراكمة..
يا مَن يطمعون فيما هو فوق مَقدرتهم، ألم تتذوقوا يوماً حلاوة ما تَملِكون، هَل تعرفون قيمة وجودكم بالحياة، وبقائكم سالمين إلى اليوم، وقُدرتكم على مواجهة المشاكل والأمراض والعقبات، هل تعلمون قيمتكم كبشر، فالآدمية لا تُقدر بثمن، ونحنُ البشر نَملك كُنوزاً غالية مِن القيم والمبادئ والأعراف السامية، نتميزُ بها ونستمتع بوجودنا عليها، فليس هُناك عاقل يُضحي بتِلكَ المُعطيات الوجودية ويلهث وراء تفاهاتٍ على حساب إدانته، ووضعه في ضائقات مادية عنيفة، قد تؤدي بهِ إلى نتائج لا يُحمَد عُقباها، فالطمع خطر يُهدد صاحبه، والرضى بالقسمة والنصيب لهو شهدُ الحياة..
فيا مَن تطمعُ في سيارة أنيقة، أو بُرج مِن الذهب، وجسد مثالي، فلتجتهد وتصبر وتبني بُرجاً مِن المال أولاً، ثم اقفز مِن فوقهِ إلى كُل حُلم يغرك بالعالم!