تعدُّ الدرعية العاصمة الأولى للدولة السعودية، وتبعد عن الرياض العاصمة نحو 20 كيلومتراً، وهي من المواقع الاستراتيجية المهمة في البلاد، إذ تقع وسط الجزيرة العربية متربعةً على قمة جبال طويق، وأصبحت حديثاً أكبر مشروعٍ تراثي في العالم.
وترتفع الدرعية نحو 700 متر عن سطح البحر، وتحدُّها بلدات عدة من نجد القديمة شمالاً، من أبرزها الجبيلة والعيينة، وفي الجنوب تقع بلدة عرقة. وقد امتدَّت الدرعية في أوج عظمتها على مساحة ثمانية كيلومترات على جانبي وادي حنيفة من العلب شمالاً حتى المليبيد جنوباً.
تأسَّست الدرعية عام 850هـ/ 1446م، على يد مانع بن ربيعة المريدي، جد الأسرة السعودية المالكة، الذي اجتهد في عمارتها، وكانت من أقـوى إمارات نجد، وذات دور بارز في تأمين طرق الحج والتجارة بين شرق الجزيرة وغربها.
وقد أولى الملك سلمان بن عبدالعزيز الدرعية اهتماماً منقطع النظير، فكانت له مساهمة في إعادة إحيائها قبل أكثر من ثلاثة عقود، وأثمرت جهودہ عن جعل الدرعية إحدى أهم وجهات التعرف على التراث الحقيقي والتاريخي للسعودية، ما نتج عنه تسجيل حي الطريف التاريخي في الدرعية في قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو عام 2010.
وترجم هذا النهج والتوجه الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس إدارة هيئة تطوير بوابة الدرعية، عبر مسيرة البناء والتطوير، بما يتماشى مع "الرؤية السعودية 2030" من خلال تطوير عديدٍ من المشروعات على مساحة تتجاوز 190 كيلو متراً مربعاً.
واليوم، غدت الدرعية رمزاً للوحدة الوطنية من خلال خوض بعض المستثمرين السعوديين تجربة مشتركة لتنفيذ مشروعات كبرى متنوعة ومتطورة، تسهم في تشكيل وبناء مستقبل السعودية.
ويعدُّ مشروع "بوابة الدرعية" من أهم مخرجات ومنجزات "رؤية 2030"، وأحد أبرز المشروعات الوطنية، وسيسهم في جعل "بوابة الدرعية" أكبر مشروع تراثي وثقافي في العالم، وقد دشنه الملك سلمان بن عبدالعزيز في نوفمبر 2019، ويتابع منجزاته المتنامية ولي العهد رئيس مجلس إدارة هيئة تطوير بوابة الدرعية.
ويهدف المشروع إلى تحقيق تطلعات وأهداف "رؤية 2030" الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، خاصةً تعزيز وحماية التاريخ والتراث السعودي الحضاري، وتطوير المواهب المحلية في مجال البحوث الأكاديمية والتاريخية والتراثية، وتعزيز قيمة الاعتزاز بالتاريخ والتراث الوطني، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي وتطوير المحتوى المحلي.
أيضاً تطمح هيئة تطوير "بوابة الدرعية" لإنشاء عدد من المتاحف المتميزة، ومراكز الفعاليات والمعارض التراثية والثقافية المتنوعة، سعياً منها لإبراز الدور الذي أدته الدرعية في تطور المنطقة بأكملها استراتيجياً واقتصادياً، إضافة إلى عدد من الأصول ذات الطابع التراثي التقليدي.
وبحسب المخططات سيتم إنشاء فنادق عالمية وأخرى صغيرة ذات طراز تاريخي، تدار من قِبل علامات تجارية عالمية مرموقة في هذا المجال لجذب الزوار حتى يعيشوا تجربة فريدة، ويشهدوا على عراقة المدن القديمة وفقاً لأفضل المعايير العالمية العصرية المتميزة، إضافة إلى إعادة تأهيل وتطوير وادي حنيفة التاريخي بما يحتويه من متنزهات وواحات.
وستضم المنتجعات الأكثر تميزاً في الشرق الأوسط مطاعم فاخرة، وأجنحة فندقية مستوحاة من أجواء قصور الدرعية القديمة مع شرفات خاصة بها، لتكون بيئة متكاملة تمنح ضيوفها تجربة فريدة من الرقي والخصوصية.
كذلك تعتزم هيئة تطوير بوابة الدرعية إضافة أسواق تجارية على الطراز القديم، حيث يتضمن المشروع إنشاء أسواق مفتوحة حديثة ودعمها بأنظمة تبريد متطورة، تضم باقة من المتاجر لأشهر العلامات التجارية المحلية والعالمية الراقية، بطراز معماري مستوحى من سوق الموسم التاريخي في الدرعية، وبمنتجات صناعية يدوية.
ويتضمن المشروع سوق اليمامة، الذي ينشط بتجارة المنتجات العضوية الطبيعية الطازجة، إضافةً إلى إنشاء مساكن معاصرة بتطبيق معايير التخطيط الحضري العربي التقليدي الأصيل، ملحقة بها بعض المساحات المكتبية وعدد من الأصول الإدارية المتنوعة، كما سيضم عديداً من الخدمات العامة والحكومية المتصلة والمرتبطة بمحطة قطار الرياض.
وهناك أيضاً المراكز التعليمية والأكاديميات الثقافية والتراثية المتميزة ومؤسسات التعليم المهني، التي سيتم من خلالها عقد برامج وورش عمل لتعليم الزائرين والسائحين جملة من المهن التاريخية والتراثية العريقة.
وفي خطوة مهمة، تمكَّنت هيئة بوابة الدرعية بالتعاون مع دارة الملك عبدالعزيز من تدوين القصص والأحداث التاريخية، حيث طوَّرت وراجعت 100 قصة تاريخية للدرعية، ركزت من خلالها على المحاور التاريخية والتراثية والثقافية، وما يتعلق بالشخصيات التاريخية البارزة في التاريخ السعودي الوطني "الأئمة، والملوك، والأبطال، والقادة، والنساء البارزات، والأحداث التاريخية المهمة".
وطبَّقت الهيئة عديداً من الأنشطة في منطقة الدرعية بهدف إعدادها وتهيئتها لاحتضان مجموعة كبيرة من الفعاليات والمناسبات التي تستقي من حضارتها التاريخية كمركز جاذب للزائرين والضيوف من داخل السعودية وخارجها، حيث أعادت تفعيل ومحاكاة الحياة في الدرعية، خاصة في حي الطريف، عبر تفعيل النزل التي تحتضن مجموعة صغيرة من المتاحف المفتوحة في الهواء الطلق، وأخرى في الأماكن المغلقة المنتشرة في جميع أنحاء موقع التراث العالمي بأكثر من 13 مشهداً تمثيلياً يحاكي التاريخ. ويأخذ هذا المشهد الزوار عبر الزمن إلى الدرعية قديماً، في حين يستمتعون بأطيب أنواع التمور والقهوة العربية العريقة.
وأقيمت معارض فنية وجولات بمرافقة مرشدين، ومعارض للحرف اليدوية والعروض والحفلات الموسيقية، وعروض العرضة التراثية، وتنسيق واستضافة أكثر من عشرة آلاف زائر من كبار الشخصيات، لتعريفهم بما تحتويه الدرعية من تاريخ وإرث حضاري عريق.
وأوضح الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير بوابة الدرعية جيرارد إنزيريلو، أن تطوير منطقة الدرعية التاريخية، يأتي ضمن طموحات وتطلعات "رؤية 2030"، وتحويل السعودية إلى وجهة سياحية عالمية، بفضل ما تمتلكه من موارد طبيعية هائلة، ومواقع تاريخية وتراثية عريقة، وإمكانات ثقافية متنوعة، وطابع معماري مميز.
وكشف عن أن خطة تأهيل وتطوير الدرعية التاريخية تتضمن إنشاء مجموعة متنوعة من المقاصد السياحية والترفيهية بإضافة أكثر من 20 فندقاً ومجموعة متنوعة من المتاحف، ومحال عالمية للتسوق، وأكثر من 100 مطعم من المطاعم العالمية، إضافة إلى الساحات الخارجية ذات التصاميم المميزة والإطلالات الخلابة، وممشى بطول ثلاثة كيلومترات.
وأكد أن اكتمال المشروعات في المنطقة سيحولها إلى وجهة عالمية ذات نمط حياة استثنائي، حيث ستجذب ملايين السائحين والضيوف من جميع أنحاء العالم والمواطنين والمقيمين في السعودية.
وبيَّن الرئيس التنفيذي، أن المرحلة الأولى التي تم البدء في تنفيذها في منطقة البجيري، تشهد عملية تطوير وتنمية مستمرة، وتحسين للبنية التحتية بإنشاء شوارع ذات نمط معماري تاريخي، إضافة إلى مسارات للدراجات، وأخرى لركوب الخيل، مع تطوير مساحة كيلومترين مربعين من وادي حنيفة التاريخي، وتأهيل بساتين النخيل والمزارع القديمة في المنطقة.
كذلك تم البدء بأعمال البنية التحتية لمشروع بوابة الدرعية بنقل نحو تسعة ملايين متر مكعب من التربة بهدف إنشاء ثلاثة كيلومترات من الأنفاق، وساحة انتظار تستوعب 10500 سيارة.
وأثنى إنزيريلو على النهضة التي تعيشها السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، مؤكداً أن هناك درعية واحدة فقط لا مثيل لها، وهذا مشروعنا الأهم.