ما بين خراطيش الكاسيت بأغلفتها البلاستيكية ولفائف شرائطها المغناطيسية، وعدد كبير من الأقراص المرنة، المعروفة بالفلوبي ديسك كوسيط تخزيني، بما تحويه من حافظة بلاستيكية مربعة ودائرة تخزينية مرنة، تطلّ فترة الثمانينات والتسعينات بمطربيها وفنانيها، وحتى إعلاناتها الشهيرة؛ بوجوه وماكياج ونظارات وتقليعات تسريحات الشعر وإكسسوارات حقبة زمنية مدهشة بكل تفاصيلها ووشائجها؛ عاشها جيل آباء وأمهات هذه الفترة وتأثروا بها وأثروا فيها، وهو ما أثارته سارة مدحت في معرضها الأخير "حتة ذكريات"، والذي استضافته قاعة "صلاح طاهر" بدار الأوبرا المصرية.
• آخر عقود الرومانسية الحقيقية
تظل فترتا الثمانينات والتسعينات آخر عقود الرومانسية الحقيقية؛ إذ كانت تمثل العقد الأخير من الحب من دون إنترنت. الحب الحقيقي وليس الافتراضي، حب أغاني شرائط الكاسيت وتسجيلات حفلات الشاطئ، ولمة العائلة لسماع مسلسل الإذاعة برمضان، ثم الفوازير، وحلقات ألف ليلة وليلة، وهو ما سعت سارة لإظهاره بين ثنايا لوحاتها الأربعين، حيث الجيل يشترك بكل تفاصيله ودقائقه ولحظاته في "حتة ذكريات"..
تجولك في معرض سارة يعني عودتك فجأة لـ"عودوني" عمرو دياب، "بتكلم جد" سيمون وحميد الشاعري، و"دي دي" الشاب خالد، و"السود عيونه" مصطفى قمر، و"شبابيك" الكينج محمد منير، و"طبيب جراح" جورج وسوف، و"لولاش" حسام حسني، حتى فرقة المصريين هاني شنودة، وفرقة "الفور إم" للراحل عزت أبوعوف، وإعلانات شوكولاتة جيرسي "اللي واكلة الجو"، وبرنامج "بانوراما فرنسية" ميرفت فراج، وغيرها.... كثير من الأيقونات والرموز والتفاصيل كرست لحالة نوستالجيا مدهشة؛ أعادت جمهور المعرض لتلك الحقبة ليتذكروها، حتى لو كانوا من الشباب ولم يعاصروها، ولكنهم تأثروا بها من خلال آبائهم وأمهاتهم..
تابعي المزيد: بنسيونات الإسكندرية نوستالجيا الزمن الجميل هل يمكنها الصمود؟
• تكريم لروح سمير غانم ودلال عبد العزيز
نتيجة تأثر سارة بالوفاة الدراماتيكية لعملاق الكوميديا المصري سمير غانم، وما تلاه من وفاة زوجته الفنانة دلال عبد العزيز، إثر إصابتهما بفيروس كورونا، قامت سارة بعمل بورتريه لوجهيهما، وأهدت لوحتهما الجميلة لابنتيهما دنيا وإيمي سمير غانم خلال المعرض..
تؤكد سارة مدحت لـ"سيدتي" أنها من خلال المعرض أرادت إحياء إحدى أهم فترات القرن الماضي، والتي كانت نهاية للعالم الواقعي الحقيقي الذي كنا نعيش تفاصيله وجزيئاته بكل ما يحمله من بساطة وقيم وحقائق على الأرض، وبداية لـعالم افتراضي سيبراني؛ يعيش كل منا فيه عالمه الخاص الذي يصنعه لنفسه وبنفسه.
أوضحت سارة مدحت، وهي فنانة تشكيلية شابة، خريجة كلية الفنون التطبيقية، جامعة حلوان، في مصر، لـ"سيدتي"، أن فكرة المعرض تقوم على توظيف شرائط الكاسيت والفلوبي ديسك (القرص المرن) في أعمال فنية تشكيلية فريدة؛ تقوم فيها برسم بورتريه بألوان الأكريليك على أغلفة شرائط الكاسيت، التي قامت بتجميعها في شكل أفقي ورأسي؛ لتضفي عليها ظلالاً ومؤثرات خاصة لونية؛ لكي تتسق مع هوية المرحلة لإعادة ذكرى هذه الشرائط للأجيال القادمة؛ كتأريخ لحقبة مهمة عايشها جيل سابق، منذ الثمانينات وحتى بداية الألفية الثانية.
• تدوير 6000 شريط كاسيت وفلوبي ديسك
تقول سارة: "تمت إعادة تدوير أكثر من ٦٠٠٠ شريط كاسيت"، لافتة للجهد الكبير الذي عانته لتجميع هذه الشرائط، حيث قامت بتجميعها من جميع المحافظات المصرية، حيث نشرت فكرتها عبر الأصدقاء ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي دعت فيها للمشاركة بـ"شرائط الكاسيت" ووحدات "الفلوبي ديسك" من أجل عمل فني وإبداعي، ووجدت كثيراً من الصدى؛ حيث وصلتها مجموعات كبيرة من الشرائط والفلوبي، وهي ما قامت باستخدامه في لوحاتها المبتكرة، حيث قامت بتفكيك الشرائط وإزالة محتواها وإعادة استخدامها؛ من خلال تجميعها ورص أغلفتها، مع خلق علاقات جمالية مع محتوى الشريط والفلوبي ديسك؛ من لفائف الشريط المغناطيسية، وتنسيقها بشكل جمالي متزن؛ لتكون خلفية لبورتريه الفنان الذي قامت برسمه.. وقد تعمدت سارة أن تجمع ألبومات كل مطرب في لوحة وترسم صورته فوق ألبوماته؛ لتكون نوستالجيا حقيقة للفنان مع أعماله في تلك الحقبة..
تابعي المزيد: تحت شعار"الفن ذاكرة الأمة".. افتتاح المعرض العام الـ42 بقصر الفنون في مصر
• أغراض بيئية وجمالية
لم يكن غرض المعرض فنياً فقط، بل تخطى ذلك لأغراض أكثر عمقاً، فشرائط الكاسيت وما تثيره من مشاكل بيئية للتخلص منها؛ بسبب المواد البلاستيكية الضارة التي تُصنع من خلالها، حيث جاء المعرض ليقدم فكرة مميزة لإعادة تدوير هذه الشرائط بشكل فني وجمالي، وما تمثله من إنقاذ للبيئة من البلاستيك في قالب فني؛ يمنحها أبعاداً جمالية تضفي لها معاني جديدة..
يذكر أن سارة مدحت فنانة تشكيلية ومطربة.. قدمت عدداً من الأغاني بمصاحبة الفنان هاني شنودة، وقدمت عدداً من المعارض الفنية المميزة، منها معرض "وش قهوة" في فبراير 2019 بأتيليه القاهرة، وهو يعد أول معرض فني بالقهوة فقط في مصر، وقد تميزت الفنانة بفن البورتريه، ولها مقتنيات عديدة عن شخصيات عامة في مصر والوطن العربي، وشاركت في العديد من المعارض الدولية والمحلية، منها معرض ڤيينا الدولي في النمسا عام 2017، ومعرض ومسابقة بلچيكا الدولية عن المناخ 2018، والورشة الدولية "وجوه وأماكن" بأتيليه العرب للفنون (ضي) 2020. وحصدت العديد من الجوائز، منها جائزة المكتب الثقافي المصري بالنمسا 2016، كما حصلت على شهادة تقدير من المركز الثقافي الهندي عن معرض الهند في عيون مصرية 2008.
مصدر الصور : الفنانة أرسلت الصور لـ "سيدني" عبر الواتس أب
فيديو من معرض سارة مدحت بدار الأوبرا...
A_piece_of_memoryاليوم السبت الاخير From My Exhibition #حتة_ذكريات
Posted by Sara Medhat - سارة مدحت on Saturday, October 30, 2021