عبادةٌ لا تحتاجُ لمالٍ أو جهدٍ إنّما تتحقق بلمسةٍ حانية على رأسِ يتيمٍ أو ابتسامةٍ مرسومةٍ بطريقةٍ هادئة وبسيطة، تبعث الفرح في قلب ناظرها، ومساعدة الغير بطريقةٍ متواضعة بعيداً عن الكِبرِ والتّفاخر، فكلّ ما يقوم به المرء من عمل يبتغي وجه الله تعالى من إحسانٍ، ومساعدة، وإماطة أذى، وحتى جبر خواطر الأرامل واليتامى والأطفال والتّخفيف من هموم الفقراء والمرضى ومساعدة الضعيف في إنجاز عمله، والعفو عن المخطئ عند المقدرة هو نوع من أنواع العبادة والتّقرّب إلى الله، وأنّ الله سيجازيه على أعماله إحساناً، سيعوّضه وسيجبر خاطره عاجلاً أم آجلاً، وسيكفيه شرّ المخاطر، ذلك أنّ جبر الخواطر هو شكلٌ آخر للإحسان، والنّبي محمد صلى الله عليه وسلم أكبر مثالٍ يُحتذى به على جبر الخواطر.
أحياناً نصادف في حياتنا أمثلة كثيرة عن جبر الخواطر ونقوم بها رغبةً منا في جبر خواطرنا من منطلقٍ جميل: من سار بين الناس جابراً للخواطر أدركه الله في جوف المخاطر.
فهناك أشخاص يطلقون عبارات التحية الصباحية على حارس العقار وعامل النظافة ببشاشة، ويطلقون عبارات الشكر، والقائد الذي يسأل على أحوال مرؤوسيه ويعاملهم برفق ويشكرهم عند إجادة العمل ويبتسم في وجوههم ويهتم بحقوقهم، ومن يرد على هاتفه لمساعدة شخص يحتاج مساعدة، هؤلاء الأشخاص هم أشخاصٌ ليسوا ساذجين كما يتّهمهم البعض، هؤلاء طيّبوا القلب وجبروا خاطر العباد، والله تعالى سيجزيهم جزاءً عظيماً كرماً لقلوبهم.
ومن جهةٍ أخرى قد نجد جبر الخواطر يتجسد بقيامنا بمشاورة من حولنا بأمورٍ عدة علماً أنّ قرارنا هو الصائب والذي سيتمّ اختياره، ولكن من باب منحهم الاهتمام والقيمة لوجودهم في حياتنا نقوم بمشورتهم، وهذا ما حثّنا عليه النّبي الكريم حيث كان يشاور من حوله وهو لا يحتاج لذلك.
وفيما يتعلّق بإدخال الفرح والسّرور لقلبِ مسلمٍ ومساعدته في الأمور الصّعبة عليه قال النّبي العظيم: (من يسّر على معسرٍ يسّر الله له).
إنّ جبر الخواطر غير محكومٍ بزمان أو مكان، ولكن نجد أنّ بعض الأوقات يكون فيها لجبر الخواطر وقعٌ كبير في القلوب، فشهرُ رمضان هو شهر الخير ولصلة الأرحام شأن عظيمٌ وقد أمرنا الله تعلى بذلك وعدم الجفاء وأنه سيرزق البركة لواصل رحمه، قال النّبي محمد عليه صلوات الله: (من أراد أن يبارك له في رزقه وفي عمره فليصل رحمه).
ولا ننس حديث النبي الكريم: (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورثه)، دليلاً على أنّ جبر الخواطر لا يقتصر على فئةٍ معيّنة من النّاس، بل يشمل كل شرائح المجتمع كبيرهم وصغيرهم، غنيّهم وفقيرهم، فقطعة تمرٍ صغيرة - وخاصة في شهر رمضان - كفيلة بإدخالِ السرور لقلب محتاجها وزرع الرأفة وتقريب القلوب.
وهكذا نجد أنّ أجمل ما يقوم به المرء في حياته هو جبر الخواطر لما له من أهمية كبيرة ووقْعٍ عظيم في القلوب تسير بها نحو التآلف والحبّ، فلنجبر خواطر بعضنا وسيجبر الله خواطرنا فيما نحبّ.