جوهرةٌ ثمينةٌ يمتلكها كلّ شخصٍ فإمّا أن يُحسِن استخدامها وتكون طريقه للرّفعة وإما العكس تكون سبب هلاكه، ألا وهي الصّمت، الذي يختلف عن السّكوت، إذ إنّ لكلٍّ منهما معنى مغايراً للآخر، فالسّكوت كما عرّفه علماء اللّغة بأنّه الإمساك عن الكلام حقّاً كان أو باطلاً، أمّا الصّمت فهو الإمساك عن قول الباطل دون الحق، فعن عليٍّ رضي الله عنه قال: (بكثرة الصّمت تكون الهيبة).
الكثير من نقاشاتِ البعض لا تؤدّي إلى نتيجة جيّدة، لأنَّ تلك النّقاشات لا تهدف لحلّ موضوع النّقاش، إنّما لإثبات فكرةِ ورأيِ كلّ طرفٍ من الأطراف، وهذا ما يحول دون الوصول للغاية، ولكن إن تحلّت الأطراف بالحكمة وتمتّعت بالصّمت الفعّال الّذي تُنجَز من خلاله أعظم الأعمال تمّ الوصول للهدف المرجوّ من النّقاش.
ولعلّ أكثر المواقف طلباً للصّمت يكون عند الغضب، فيكون بمثابة قوّة عظيمة يتمتّع بها الشّخص، ويكون إمّا بالتّريّث والعدّ للعدد عشرة - كما تعلّمنا منذ الصّغر-، وإما بالخروج من المكان ريثما تعود السّكينة والهدوء للنّفس، وبالتّالي إعادة تحليل الموقف وإطلاق الحكم السّليم، فيكون الصّمت أرقى وسيلة للرّد على كثير من الكلام، والرّسول الكريم في الحديث الشّريف يقول: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، ولا بدّ من تعليم النّفس أبلغ اللّغات، ألا وهو فنّ الصّمت في زمن الثّرثرة، وذلك عن طريق ممارسة الرّياضة، وخاصّة في الهواء الطّلق الّذي يعمل على تهدئة النّفس ويزيد من نسبة هرمون الدّوبامين والأوكسيتوسين والسيروتونين، ما يحفّز على زيادة الهدوء والتّوازن في الجسم.
كما يلجأ البعض لمعالجة الغضب عن طريق التّأمّل والتّنفّس بعمق بطريقةٍ صحيحة تجعل الجسم يشعر بعملية دخول الهواء وخروجه بعملية الشّهيق والزّفير، هذه الطّريقة فعّالة جدّاً، ذلك أنّ كمّية الأكسجين النّظيف الذي تحمله عملية الاستنشاق يصعد للدّماغ، ويجعل الشّخص يشعر بسعادةٍ عارمةٍ وراحةٍ نفسيّةٍ داخليّة كبيرة، وبالتّالي فإنّ ذلك يخفّف من الأعباء الّتي تقع على كاهل الإنسان، وهذا دليلٌ على أنّ ممارسة الرّياضة في الهواء الطّلق واستنشاق الأكسجين الصّافي الّذي تطلقه الأشجار يكون سبباً في الحصول على السّعادة الدّاخليّة الّتي بدورها تكون سبيلاً لسعادة الآخرين.
ومن ناحيةٍ أخرى يُعدّ الصّمتُ عبادةً من غير عناءٍ، وزينةً من غير حُليّ، يتحلّى بها الإنسان الحكيم في المواقف الّتي تتطلّب الصّمت، حيث يضع الأمور في نصابها الصّحيح، ويستوعب العواقب التي تترتّب على حدّة الكلمات المنطوقة، فلا ينطق إلا خيراً، وبالتّالي لا يكتب ملك اليمين إلا الحسنات والخير، قال الله تعالى في كتابه العزيز: (ما يلفظُ من قولٍ إلّا لديه رقيبٌ عتيد)، فالصّمتُ لغة العظماء.