مواهب من الناس الجميلين

في حي الفهيدي التاريخي، كانت كاميرا سيدتي، تتنقل بين نمط الحياة التقليدية الذي كان سائداً في دبي منذ منتصف القرن التاسع عشر حيث المباني ذات البراجيل الشامخة، والمشيدة من الحجر المرجاني، والجص، وخشب الساج، والصندل، وسعف وجذوع النخل، متراصة بشكل تلقائي تفصل بينها الأزقة والسكيك التي تضفي على الحي تنوعاً جمالياً طبيعياً.
هناك حيث تحتضن مباني الحي العديد من الأنشطة الثقافية ومراسم للفنانين، كنّا نبحث عن فيلا لفناني تشكيلٍ، في أستوديو "مواهب من الناس الجميلين"، وهو مخصص لأصحاب الهمم، من عمر 16 سنة وما فوق.

عبدالله لطفي: أن أكون في أمة تقبلني فهذه نعمة

A.L. هو التوقيع الذي تزينت به لوحة كبيرة بالأبيض والأسود في إحدى ردهات ‬مطار ‬دبي ‬الدولي، وهي من فئة «الديوراما» المستوحاة من فن «البوب».
والتوقيع يرمز للفنان الإماراتي عبدالله لطفي، الذي قابلنا بفخر لأنه مختلف، كما يقول، هو من أصحاب الهمم الذين لا يعيق طريقهم أي عثرة سلبية، فهو، يقرأ ما في عيون الناس ليعكس مخيلاتهم، التي قد تخفى عنهم، على قطعة قماش.
‬ يتابع قائلاً: "أريد أن ألفت نظر العالم ‬إلى ‬مجتمع ‬ذوي ‬الاحتياجات ‬الخاصة ‬من ‬خلال ‬أعمالي ‬الفنية.. فالصور هي كلام يشبه ما يقوله الكاتب. لكنني أعطي مساحة من الحرية لحروفه، لتأخذ مداها على اللوحة القماشية هكذا أعبر عمّا في داخلي .. وأبعد الخوف عني من ألا يفهمني أحد".
تعرّفي إلى المزيد: أهم المتاحف التراثية في مدينة جدة

الطفل الفنان الذي في داخلي

رسم عبدالله ‬كتاب ‬تلوين ‬للأطفال ‬بتكليف ‬من ‬سفارة ‬الإمارات ‬العربية ‬المتحدة ‬في ‬واشنطن فالإصابة بالتوحد لا تمنعه من قول أي شيء، فهو يشعر بالقبول، وهذا يسعده، كما يقول، ويرجع ذلك إلى معلمته الفنانة، غولشان كافارانا، التي ساعدته منذ بداية رحلته الفنية في عام 2010 ليكون الفنان الذي هو عليه اليوم.

"هذا هو وقتنا"

يفضل عبد الله رسم لوحاته بالأسود والأبيض، مستوحياً ذلك من فنون المانجا والأنيمي إلى الرموز والمناظر الطبيعية في اليابان، يستدرك قائلاً: "كل الألوان تتطلب الكثير من الجهد والتوتر. لكنني أحببت الرسم بالأبيض والأسود، مذ كان عمري سبع سنوات، فرسمت رجال ونساء الإمارات وهم يتحدثون في أعمال فنية تميل إلى الفكاهة".
شارك عبدالله في الأغنية الرسمية لإكسبو 2020 دبي، "هذا هو وقتنا"، حيث ظهرت أعماله الفنية بشخصياتها التي تنبض بالحياة، وكانت عبارة عن لوحة (أبعادها 2 × 2 متر) لموقع «إكسبو - دبي»، تشتمل على الكثير من التفاصيل الدقيقة، لتبدو وكأنها صورة فوتوغرافية تم التقاطها من طائرة من دون طيار باحترافية عالية، يتابع قائلاً: "أنا سعيد أن الناس شاهدوا الفيديو، الذي عرض اللوحة، في جميع أنحاء العالم، فأنا مشهور. وأن أكون في أمة تقبلني فهذه نعمة. فلنحتفل دائماً بالرفاهية والقيم والنمو نحو مستقبل أفضل".
تعرّفي إلى المزيد: ما الزنتانجل؟.. تعرفي على إحدى التقنيات الفنية التي تستخدم للعلاج بالفن

الفنان فيكتور سيتالي: "صوتي يسمع من يدي"

هو شعار يرفعه سيتالي فنان تشكيلي من زامبيا ليبدع الرسم بالزيت والأكريليك على القماش وبالألوان المائية والباستيل والفحم على الورق. فيكتور حاصل على بكالوريوس في التصميم الغرافيكي، فقد حاسة السمع في سن الثالثة، ليجد طريقة للتعبير عن نفسه من خلال الرسم قبل سبع سنوات.
لوحات سيتالي معلقة في منازل فخمة وفي فنادق 5 نجوم بالإمارات، أبدعها حين سمع صوت الفرشاة تقول له: "جرب وانطلق"، يتابع بلغة الإشارة: "ترددت على مركز دبي لذوي الاحتياجات الخاصة؛ وهناك التقيت بمعلمتي غولشان كافارانا التي قدمتني لمركز "مواهب من الناس الجميلة"، لقد كانت خطوة جعلتي أثق بنفسي وأؤمن بقدراتي، حتى أصبحت رساماً مستقلاً".

لا أحب الضجيج

يركز سيتالي على الوجوه الأفريقية، التي هي جزء من ثقافته، يتابع بلغة الإشارة: "أركز أيضاً على العيون، و هي إحدى التقنيات التي تضفي الحيوية على الصورة أبدع من خلالها لغة خاصة بخلط الألوان والظلال المختلفة، التي تغوص في عوالم ربما كانت غامضة، وأبجديات هذه اللغة تمنحني الكثير الرؤى الفنية لأقولها، فصرت أعقد ورش عمل حول الفن ولغة الإشارة الأميركية في المدارس".
رسم سيتالي لوحاته على أنغام الموسيقا في متحف اللوفر بأبوظبي، لا يعتبر الصمت حزناً، كما خيّل إلينا من ملامح وجهه، يقول مشيراً: "أقضي وقتي بين القماش والطلاء وهي طريقتي للاسترخاء في صمت حتى أخرج بقصة فنية جديدة، فالعالم واحد لكننا مختلفون، ولكل واحد منا طريقته الخاصة في التعبير. وبالمناسبة تمكنت من السمع بمساعدة سماعات الأذن الطبية إلا أنني تخليت عنها طوعاً؛ لأنني لا أحب الضجيج".

أسماء باقر: أقوم بعملية تفريغ لعقلي فأنقل حقيقة ما يفكر به الناس

فنانة ‬تشكيلية إماراتية (تعيش مع طيف التوحد)، تطمح ‬إلى ‬استخدام ‬صوتها ‬ومهاراتها ‬للدفاع ‬عن ‬حقوق ‬أصحاب ‬الهمم ‬ودمجهم ‬في ‬المجتمع، ‬وهي ‬عاقدة ‬العزم ‬على ‬المساعدة ‬في ‬خلق ‬عالم ‬تكون ‬فيه ‬الشمولية ‬هي ‬القاعدة ‬لا ‬الاستثناء.
لم يكن التغلب على التوحد أمراً سهلاً، على الفنانة الإماراتية أسماء باقر، فلم تكن تعرف أنها مصابة به إلا مؤخراً. إنه طريق ساعدها في أن تكون الشخص الذي هي عليه اليوم، كما تقول أسماء، التوحد ليس نقمة ولكنه نعمة. لم يغير رأيها في الحياة، بل منحها الشجاعة لمتابعة أحلامها.

قصص مليئة بالأسرار

أسماء فنانة تشكيلية تكتب القصص والقصائد عن طريق الرسم وتعمل على روايتها، تستدرك قائلة: "بدأت مشروعي الذي، أطلقت عليه اسم "ليتل هارت بيبول"، عندما كنت أعاني من اكتئاب عميق بعد وفاة والدي، وكتبت هذه الرسومات على شكل قصص مليئة بالأسرار. قصص تناسب البالغين والأطفال، بعضها واقعي وبعضها الآخر خيالي، لقد كانت طريقة ساعدتني على تذكر أننا لسنا وحدنا أبداً، حتى لو شعرنا أننا كذلك".
أدركت أسماء من خلال رسم القلوب، أنها باللاشعور، تروي من خلالها تلك المواقف التي أخبرها بها والدها وجدتها، والتي تصل إلى القلب مباشرة، تعلّق قائلة: "أهل القلوب مهمون... أريد أن أشارك العالم بقصصهم".

نحن جميعاً متماثلون وكلنا بشر

أسماء التي شاركت أيضاً ‬في ‬لجنة ‬الأولمبياد ‬الخاص ‬٢٠١٩‬ ‬في ‬أبوظبي، وألقت خطابات تدعو إلى التسامح والاندماج بين الناس، كتبت قصصها على طريقتها الخاصة،: "أغلق عيني وأقوم بعملية تفريغ لعقلي من خلال الاستماع إلى إيقاع قلبي، فأنقل حقيقة ما يفكر به الناس".
قصص أسماء القصيرة نشرت في كتاب "Traveller’s Tales" الذي نال الكثير من الإشادة. كما تم عرض وبيع أعمالها الفنية في أستوديو مواهب للفنون، وفي مطار دبي الدولي، ومعرض بوب آرت في كوادرو فاين غاليري، دبي.

غولشان كافارانا: ألطف روح

وصفت غولشان كافارانا، الفنانة والمعلمة الروحية في أستوديو "مواهب من الناس الجميلين"، أن ما نراه ونقرؤه، هو تجسيد لشخصيات، شديدة التركيز، وتعطي اهتماماً كبيراً بالتفاصيل. تعلّق قائلة: " لديهم ألطف روح ووجودي بجانبهم، يجعلني أشعر بالفخر كل يوم وكل ساعة عمل معهم ".