عندما يتعلق الأمر بالسيارات والقيادة، ثمة فكرة سابقة أصبحت قاعدة عامة مسلّما بها تنص على أن النساء لا يُجدن القيادة ولا يستطعن حتى صفّ سياراتهن في موضعها الصحيح. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أصبح من المتعارف عليه أن النساء لا يفقهن شيئا في عالم السيارات "المُعقّد"، وعند اختيارهن لسياراتهن يعتمدن على انطباعات سطحية تقتصر على الاهتمام بطراز السيارة الحديث ومظهرها الخارجي الجذاب ولونها الجميل، ولا يُعرن أي اهتمام للإمكانيات، واستهلاك الوقود، والنفقات وغيرها. لكن، هل ما سبق صحيح؟ حسنا، وفقا لعشرات الدراسات البحثية، وبحوث التسويق، والاستطلاعات وغيرها، فإن هذا لا يمُتّ إلى الواقع بأي صلة.
أكثر مما تتخيل
لطالما كانت إستراتيجيات تسويق الشركات المصنعة للسيارات تستهدف الرجال مع إهمال ملحوظ للنساء، وذلك لاعتقاد المصنعين بأن النساء لسن جمهورهم المستهدف، فهن ذوات تأثير محدود على هذا السوق. لكن هذا الحال لم يدم طويلا، فمنذ عقد مضى، غدت النساء فائقات التأثير على سوق صناعة السيارات بأكمله. إذ كشفت أبحاث السوق الصادرة عن مجلة "Road and Travel" أن النساء يشترين أكثر من 65٪ من جميع السيارات الجديدة و53% من السيارات المستعملة، كما أنهن يُمثّلن تأثيرا حاسما في 93٪ من إجمالي مشتريات السيارات، وهذه أرقام ضخمة بكل تأكيد.
هذه الأرقام المغايرة -لما هو سائد- دفعت الشركات المصنعة للسيارات إلى تغيير إستراتيجياتها التسويقية التي اعتمدت عليها لعقود تغييرا جذريا. فمثلا، عندما كانت عملاقة صناعة السيارات "جنرال موتورز" تخطط لإصدار سياراتها الجديدة من فئة الـ "كروس أوفر" الصديقة للبيئة وسيارات الدفع الرباعي، كان بعض أعضاء فريق تطوير خطوط السيارات يرتدون ملابس نسائية ليوم أو أكثر في بعض الحالات. كانوا يرتدون أحذية ذات كعب عالٍ ويضعون أظافر مستعارة ويرتدون تنانير مصنوعة من أكياس القمامة، كل ذلك في محاولة لتحديد الكيفية التي تشعر بها بعض النساء عند ركوب وقيادة سيارات الدفع الرباعي أو الـ "كروس أوفر".
ساعدت هذه التجربة في كشف المشكلات المتعلقة بالانحناء أثناء الدخول والخروج من السيارة، إضافة إلى التعرف على كيفية تشكيل وتمركز عناصر التحكم على وحدة التحكم المركزية لتناسب النساء. لكن هذا لم يكن الهدف الأساسي من التجربة، بل إن كل ذلك كان مجرد جانب واحد من عملية أكبر لفهم ما يحفز النساء عند شراء سياراتهن، وما يتوقعن من السيارات التي يشترونها. وهذا هو السؤال الأهم، هل ينجذبن إلى السيارات جميلة المظهر بديعة الطراز أم لغيرها من السيارات العملية المريحة الأكثر أمانا؟
النساء بين النهج العاطفي والدوافع النفعية
يمتلك البشر مجموعات مختلفة ومتنوعة من الدوافع الكامنة التي تؤدي إلى سلوكيات التسوق الخاصة بهم، لكن ثمة نوعان رئيسيان من هذه الدوافع تُشكّل الأغلبية الساحقة من سلوكيات التسوق هما: النفعية، والمتعة. الدوافع النفعية هي أقوى مؤشر على نية الشراء أو التسوق، فهي تتلخص في السعي الواعي إلى نتيجة مقصودة، فأنت تتسوق لإنجاز شيء محدد. أما دوافع المتعة فهي دوافع تتأثر بشكل خاص بالمغامرة والمكانة الاجتماعية وتتعلق بالاستجابات الذاتية والعاطفية، فأنت تتسوّق لعزيز مكانتك وإبرازها، أو لأنك تحب التسوق في حد ذاته، لا لأنك ترغب في تحقيق منفعة محددة.
بحسب دراسة بحثية نُشرت عام 2017 في مجلة البحر الأبيض المتوسط للعلوم الاجتماعية، تحت عنوان "سلوك التسوق بين النساء الحضريات"، فإن الرجال يميلون إلى اتباع نهج نفعي أكثر منطقية مقارنة بالنساء عندما يتعلق الأمر بالشراء، إذ عليك أن تخبرهم لماذا يجب عليهم شراء منتجاتك ولماذا من المنطقي أن يشتروها. على نقيض النساء اللواتي يتبعن في الغالب نهجا عاطفيا يغلب عليه المتعة والعاطفة. لكن، رغم أن النساء يغلب عليهن النهج العاطفي في أغلبية عمليات الشراء، فإن الأمر يأتي عند السيارات ويختلف تماما!
في نهاية عام 2016، نشر موقع "كار باير"، المتخصص بتقديم أدلة شراء السيارات وتوفير مراجعات موثقة من الخبراء والمالكين، دراسة بحثية توضح الفرق بين الأولويات والخيارات المختلفة التي يتخذها الرجال والنساء عند شراء السيارات. كشفت الدراسة أن النساء تتخذ منهجا عمليا أكثر واقعية عند شراء سياراتهن، حيث يركزن على اقتصاد استهلاك الوقود وانخفاض تكاليف الخدمات مثل التشغيل والتأمين والصيانة وغيرها، على نقيض الرجال الذين يسيطر على عمليات الشراء الخاصة بهم طراز السيارة وجمال مظهرها وأدائها والتقنيات الحديثة الموجودة بها.