أنا تائه، وأعرف جيداً هذا الشعور، كان يرافقني منذ طفولتي، ليس تيه الطرق وجنون العائلة في البحث، بل كنت اتوه في نفسي، في ما الذي تريده؟ ما الذي يُحيرني ويشغل بالي حين أكون على الأرجوحة سارحاً بينما الآخرون يضحكون ويتراشقون الرمال؟!
لقد خلقت تائهاً،
مثل شجرة في الصحراء
لا تعرف ما الذي
أتى بها إلى هنا؟
حتى يومنا هذا، وقد بلغ طولي طول أبي ولم يعد حضن أمي يسعني، ويد الجدات لا تكفي لطبطبة على ظهري، رغم أني عرفت سبلاً كثيراً لتمضية الوقت المصروف لي في رصيد عمري الذي لا يعمله سوى الله، كنت طفلة مريحة لأمي لأني هادئة لكن هذا الهدوء تحول عبر الزمن إلى فوضى تعصف بي..
جدتي سيدة تُحب دس العبر في الحكايات، أخبرتني يوماً حكاية وجدت نفسي بها، عن طفلاً صغيراً لم يحتفل أحد بمولده لم يشعل أحد له شمعة، وحين اكتشف حكاية الشمعة التي يطفئها الأطفال في عيد مولدهم، قرر أن يشتري لنفسه واخترع يوماً وقال: هذا يوم مولدي، لكنه حين قرر أن يُطفئها، سبقته الرياح لها..!
أشاح وجهه عن مصدر الريح، أشعلها مرة أخرى وقال لنفسه: أنا أستحق أن أعرف تجربة الأشياء بنفسي..
لم تؤثر فيَّ الحكاية حتى واجهت نفسي في المرآة وسألت "ما الذي تريدينه؟"
تردد صوت صدى في روحي: أن أفعل مثلما فعل طفل الحكاية..
وقررت أنني كلما شعرت بالتيه، سأدير وجهي للطريق.
وأقرر أشياء جديدة تصنع مني إنساناً يحاور نفسه، لا يهمه الكون من حوله ولا الذين وجدهم معه في الحياة.
وانطلقت خارجاً من بيت جدتي إلى الأرجوحة الأولى التي حملت خفتي، وفكرت في كل ما أريد، وقلت للطفل الذي يلهو بجانبي: صحيح أنني ولدت قبل 35 عاماً، ولكن أشعر الآن بالحياة تصرخ في وجهي إني ابنتها..
لقد تعرفت إلى نفسي بكل يسر رغم أني منذ أعوام أجاهد النفس على المعرفة، كلما شعرت بالتيه فاض الصمت داخلي وأبحرت في عالمي الذي تركته يصنعني ولم أصنعه، أعدل الأفكار لعلها تخوض مغامرة معي، يتعجب من حولي من خفتي وتقبلي للأمور من حولي، لا يعلمون الجهاد الذي خضته مع نفسي لأربح نفسي..
كلما وجدت نفسي حائرة في أمر ما، توجهت لربي لأستشيره، لأنه وحده الذي يعلم ماذا تخلق الحيرة في روح الإنسان، ويُجيبني بصغائر الأمور أمامي كدليل، أجلس أبكي كطفلة صغيرة في غرفتي لأن الله أجابني أنا الذي تاهت نفسها!
كلما شعرت بالفرح، تسير أقدامي حتى بيت جدتي، وبيدي شمعة وقالب كيك، لا تسألني عن شيء، بل تقول لي حين ننتهي من تناول الكيك إن الحياة لئيمة وعلينا أن نستغل الوقت الذي تمنحنا فيه القليل من الفسحة التي تتنزه فيها الروح.
فلا صرت أبحث عن السعادة ولا أبحث عن نفسي، فكلاهما هنا بقربي وحولي .