لا الحياة ترأف بي، ولا أنا نفسي راعيها، كل ما أريده أن أحيا، لا الحياة العادية التي تصحو لها لتمضي يومك فارغاً، تملؤه بالوجبات والساعات التي تركض في سباق مع اليوم، أريد أن أحيا دون أن أتساءل عن اللحظة التالية وحظها الذي يعاندني، يربكني ويُعكر عليّ موجة اليوم.
أنا متعب، كتعب الذي سار إلى جهاد نفسه، وعاد يجرجر خلفه قلبه، أنا طُعم الشيطان هذه الأوقات، طُعم الملل والأفلام
والأغنيات التي تقنعني للحظات أني بطل حكاية ما، ولكنها حياة مستعارة، أفضلُّ أن أبكي، مهارة أجيدها
أبكي حتى أجرح صدري وتعزف النايات جرحي
الليل طويل ولا نهار بملامح واضحة
منذ دراستي للهندسة، وحبي للأدب والكتابة، لم يعلق معي شيء مثلما علقت معي الشخصية الأدبية التي يُطلق عليها "FLAT " الشخصية السطحية التي تبقى طوال حياتها على دور واحد، آه كم أخشى أن يتلبسني هذا الدور في حياتي كلها، حيث أني إن عشت لم أزد شيئاً، وإن مت لم أُنقص شيئاً!!
فضلت أن أخرج مع أصدقائي، لأقبض على الملل من عنقه، وأحبس الشيطان، وحين لمح صديق لي الوحدة تحوم حولي
وكواكب حزن تحفر مكانها أسفل عينيّ، اقترح علي أن ألجأ إلى الله، قائلاً:
أنا كلما شعرت بالتعب، لجأت إلى الله
كلما احتارت طرقي وتاه الحق عني
توجهت إليه قاصداً خيري
قلت في الغد سأقصد الله في يومي
قد زارني الصباح في اليوم التالي، كأني بُعثت من قبري وحزني لأحيي يوماً مُختلفاً، لمحت الشمس نافذة والغيوم ستائر
تحركت من سريري، نفضت الهمّ عن أكتافي، وقررت أن ألغي فكرة أن يُسيرني اليوم كيفما شاء، فأنا من الذين يتركون للريح دفة السفينة، السابعة صباحاً صعدت لسطح البيت، أكسر أواني الماضي
قلت محدثاً الله في روحي اليوم أنا ضال وينشد الطريق برفقتك
صعدت للسطح، لتبللني أشعة الشمس التي حاصرت غرفتي بعيداً عنها، وحين لمحت نور الكون قلت كأني أحاور الملكين على كتفي:
للصباح جاذبية لا تُضاهي كل السهرات التي نغني لها "يا ليل طول شوية"
الليل يحتاج لخليل، الصباح يُحب الوحدة، وما أرقها من وحدة مع الله!
في الصباح رأيت خيوطاً ذهبية تخترق غيمة، لتصل الأرض، كان المنظر رائعاً جعلني أقول:
من لا يقوى على تقوى الله وهو أمام عظمته ساكن، من لا يُحب الخالق؟
هنا يحضر صوت الطبيعة، يحملني معه للبعيد، للأعلى، لمنبع التقوى، صوت يُقنعني أن الطبيعة تطغى وسط زحمة السيارات وأدخنتها الملوثة، وسط الأبنية والجسور، العمل، وجه المدير، وسط كل تدخل إنساني قد يُعكر صفو الإنسان
هناك صوت يُقنعني أن الصباح وقت من الجنة
لقد فعلتها أخيراً وراقبت الشروق وزدت حباً للصباح
انتهيت من تأملي وقلت: يا عفو الله، ما لنا لا نبصر الجمال؟
أنا سعيد ولا تهمني اللحظة التالية
ابن الشمس أنام في حضنها