كلما‭ ‬ضاقت‭ ‬بي،‭ ‬
توجهت‭ ‬إلى‭ ‬الرحمن

د. سعاد الشامسي 
د. سعاد الشامسي  
د. سعاد الشامسي

لا‭ ‬الحياة‭ ‬ترأف‭ ‬بي،‭ ‬ولا‭ ‬أنا‭ ‬نفسي‭ ‬راعيها،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أريده‭ ‬أن‭ ‬أحيا،‭ ‬لا‭ ‬الحياة‭ ‬العادية‭ ‬التي‭ ‬تصحو‭ ‬لها‭ ‬لتمضي‭ ‬يومك‭ ‬فارغاً،‭ ‬تملؤه‭ ‬بالوجبات‭ ‬والساعات‭ ‬التي‭ ‬تركض‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬مع‭ ‬اليوم،‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أحيا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أتساءل‭ ‬عن‭ ‬اللحظة‭ ‬التالية‭ ‬وحظها‭ ‬الذي‭ ‬يعاندني،‭ ‬يربكني‭ ‬ويُعكر‭ ‬عليّ‭ ‬موجة‭ ‬اليوم‭.‬
أنا‭ ‬متعب،‭ ‬كتعب‭ ‬الذي‭ ‬سار‭ ‬إلى‭ ‬جهاد‭ ‬نفسه،‭ ‬وعاد‭ ‬يجرجر‭ ‬خلفه‭ ‬قلبه،‭ ‬أنا‭ ‬طُعم‭ ‬الشيطان‭ ‬هذه‭ ‬الأوقات،‭ ‬طُعم‭ ‬الملل‭ ‬والأفلام‭ ‬
والأغنيات‭ ‬التي‭ ‬تقنعني‭ ‬للحظات‭ ‬أني‭ ‬بطل‭ ‬حكاية‭ ‬ما،‭ ‬ولكنها‭ ‬حياة‭ ‬مستعارة،‭ ‬أفضلُّ‭ ‬أن‭ ‬أبكي،‭ ‬مهارة‭ ‬أجيدها
أبكي‭ ‬حتى‭ ‬أجرح‭ ‬صدري‭          ‬وتعزف‭ ‬النايات‭ ‬جرحي
الليل‭ ‬طويل‭                          ‬ولا‭ ‬نهار‭ ‬بملامح‭ ‬واضحة‭ ‬
منذ‭ ‬دراستي‭ ‬للهندسة،‭ ‬وحبي‭ ‬للأدب‭ ‬والكتابة،‭ ‬لم‭ ‬يعلق‭ ‬معي‭ ‬شيء‭ ‬مثلما‭ ‬علقت‭ ‬معي‭ ‬الشخصية‭ ‬الأدبية‭ ‬التي‭ ‬يُطلق‭ ‬عليها‭ "‬FLAT‭ " ‬الشخصية‭ ‬السطحية‭ ‬التي‭ ‬تبقى‭ ‬طوال‭ ‬حياتها‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬واحد،‭ ‬آه‭ ‬كم‭ ‬أخشى‭ ‬أن‭ ‬يتلبسني‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬كلها،‭ ‬حيث‭ ‬أني‭ ‬إن‭ ‬عشت‭ ‬لم‭ ‬أزد‭ ‬شيئاً،‭ ‬وإن‭ ‬مت‭ ‬لم‭ ‬أُنقص‭ ‬شيئاً‭!!‬
فضلت‭ ‬أن‭ ‬أخرج‭ ‬مع‭ ‬أصدقائي،‭ ‬لأقبض‭ ‬على‭ ‬الملل‭ ‬من‭ ‬عنقه،‭ ‬وأحبس‭ ‬الشيطان،‭ ‬وحين‭ ‬لمح‭ ‬صديق‭ ‬لي‭ ‬الوحدة‭ ‬تحوم‭ ‬حولي‭ ‬
وكواكب‭ ‬حزن‭ ‬تحفر‭ ‬مكانها‭ ‬أسفل‭ ‬عينيّ،‭ ‬اقترح‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬ألجأ‭ ‬إلى‭ ‬الله،‭ ‬قائلاً‭:‬
أنا‭ ‬كلما‭ ‬شعرت‭ ‬بالتعب،‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬الله
كلما‭ ‬احتارت‭ ‬طرقي‭            ‬وتاه‭ ‬الحق‭ ‬عني‭ ‬
توجهت‭ ‬إليه‭                       ‬قاصداً‭ ‬خيري‭ ‬
قلت‭ ‬في‭ ‬الغد‭                     ‬سأقصد‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬يومي
قد‭ ‬زارني‭ ‬الصباح‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي،‭ ‬كأني‭ ‬بُعثت‭ ‬من‭ ‬قبري‭ ‬وحزني‭ ‬لأحيي‭ ‬يوماً‭ ‬مُختلفاً،‭ ‬لمحت‭ ‬الشمس‭ ‬نافذة‭ ‬والغيوم‭ ‬ستائر‭ ‬
تحركت‭ ‬من‭ ‬سريري،‭ ‬نفضت‭ ‬الهمّ‭ ‬عن‭ ‬أكتافي،‭ ‬وقررت‭ ‬أن‭ ‬ألغي‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬يُسيرني‭ ‬اليوم‭ ‬كيفما‭ ‬شاء،‭ ‬فأنا‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يتركون‭ ‬للريح‭ ‬دفة‭ ‬السفينة،‭ ‬السابعة‭ ‬صباحاً‭ ‬صعدت‭ ‬لسطح‭ ‬البيت،‭ ‬أكسر‭ ‬أواني‭ ‬الماضي
قلت‭ ‬محدثاً‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬روحي‭        ‬اليوم‭ ‬أنا‭ ‬ضال‭ ‬وينشد‭ ‬الطريق‭ ‬برفقتك‭ ‬
صعدت‭ ‬للسطح،‭ ‬لتبللني‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬التي‭ ‬حاصرت‭ ‬غرفتي‭ ‬بعيداً‭ ‬عنها،‭ ‬وحين‭ ‬لمحت‭ ‬نور‭ ‬الكون‭ ‬قلت‭ ‬كأني‭ ‬أحاور‭ ‬الملكين‭ ‬على‭ ‬كتفي‭:‬
للصباح‭ ‬جاذبية‭ ‬لا‭ ‬تُضاهي‭ ‬كل‭ ‬السهرات‭ ‬التي‭ ‬نغني‭ ‬لها‭ "‬يا‭ ‬ليل‭ ‬طول‭ ‬شوية‭" ‬
الليل‭ ‬يحتاج‭ ‬لخليل،‭ ‬الصباح‭ ‬يُحب‭ ‬الوحدة،‭ ‬وما‭ ‬أرقها‭ ‬من‭ ‬وحدة‭ ‬مع‭ ‬الله‭! ‬
في‭ ‬الصباح‭ ‬رأيت‭ ‬خيوطاً‭ ‬ذهبية‭ ‬تخترق‭ ‬غيمة،‭ ‬لتصل‭ ‬الأرض،‭ ‬كان‭ ‬المنظر‭ ‬رائعاً‭ ‬جعلني‭ ‬أقول‭: ‬
من‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬تقوى‭ ‬الله‭ ‬وهو‭ ‬أمام‭ ‬عظمته‭ ‬ساكن،‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يُحب‭ ‬الخالق؟‭ ‬
هنا‭ ‬يحضر‭ ‬صوت‭ ‬الطبيعة،‭ ‬يحملني‭ ‬معه‭ ‬للبعيد،‭ ‬للأعلى،‭ ‬لمنبع‭ ‬التقوى،‭ ‬صوت‭ ‬يُقنعني‭ ‬أن‭ ‬الطبيعة‭ ‬تطغى‭ ‬وسط‭ ‬زحمة‭ ‬السيارات‭ ‬وأدخنتها‭ ‬الملوثة،‭ ‬وسط‭ ‬الأبنية‭ ‬والجسور،‭ ‬العمل،‭ ‬وجه‭ ‬المدير،‭ ‬وسط‭ ‬كل‭ ‬تدخل‭ ‬إنساني‭ ‬قد‭ ‬يُعكر‭ ‬صفو‭ ‬الإنسان‭ ‬
هناك‭ ‬صوت‭ ‬يُقنعني‭ ‬أن‭ ‬الصباح‭ ‬وقت‭ ‬من‭ ‬الجنة
لقد‭ ‬فعلتها‭ ‬أخيراً‭ ‬وراقبت‭ ‬الشروق‭ ‬وزدت‭ ‬حباً‭ ‬للصباح‭ ‬
انتهيت‭ ‬من‭ ‬تأملي‭ ‬وقلت‭: ‬يا‭ ‬عفو‭ ‬الله،‭ ‬ما‭ ‬لنا‭ ‬لا‭ ‬نبصر‭ ‬الجمال؟
أنا‭ ‬سعيد‭ ‬ولا‭ ‬تهمني‭ ‬اللحظة‭ ‬التالية‭ ‬
ابن‭ ‬الشمس‭ ‬أنام‭ ‬في‭ ‬حضنها