يشهد أتيليه العرب للثقافة والفنون جاليري ضي، معرض الفنان عز الدين نجيب، الذي يستمر طوال ليالي رمضان، وهو المعرض الاستيعادي الذي يحمل عنوان "ستون عاماً بين المقاومة والبعث"، ويصاحبه تدشين كتاب نقدي وموسوعي كبير لنجيب بعنوان "الفنان المصري وسؤال الهوية بين الحداثة والتبعية". يحتوي معرض عز الدين نجيب على أكثر من 200 لوحة رسمها في فترات مختلفة من حياته منذ بداية الستينيات وحتى العام الحالي. بحسب تأكيد الناقد التشكيلي هشام قنديل رئيس مجلس إدارة أتيليه العرب للثقافة والفنون. بأن مبادرة "غاليري ضي" (المهندسين- القاهرة) لتكريم الفنان والناقد المخضرم عز الدين نجيب، كاعتراف بقدراته وعطاءاته، من خلال معرض استيعادي لنتاجه (يستمر حتى نهاية شهر نيسان/ ابريل المقبل). يتضمن المعرض قرابة 200 لوحة مختارة من أبرز مراحله وتجاربه الفنية منذ الستينيات حتى أيامنا الراهنة، يرافق المعرض كتاب يتناول حياته وإنجازاته الفنية، فضلاً عن كتابٍ ثانٍ له يتناول دوره كناقد طليعي شغلته ملامح قضية الهوية المصرية في الفن، بعنوان "الفنان المصري وسؤال الهوية بين الحداثة والتبعية"
-الاحتفاء بحياة مستعادة
عز الدين نجيب الواقعي- التعبيري، والذي بقي متمسكاً برسم الموضوعات الإنسانية والبيئة الشعبية المصرية لا ينفصل بفكره وأسلوبه عن المدارس الفنية التي ظهرت في أعمال جيل المحدثين، هو الذي شهد على أعمالهم ورافقها ووثّقها في كتاباته. شعر بعد تدهور صحته على إثر إجراء جراحة، بمعاناة الخمول والاكتئاب والخوف على مستقبله الفني والنقدي، إلا أن صديقه الناقد هشام قنديل شجعه على الخروج من هذا الإحباط بدعوته إقامة معرض استيعادي لأعماله، وجَمْع كتاباته في كتاب موسوعي، مما شجعه على الاحتفاء بنفسه هذه المرة، ولملمة شتات حصاد عمره الفني مسترجعاً ما تبقى من مراحل وتجارب ولوحات غير معروضة في محترفه، شكلت نواة هذا المعرض الاستيعادي. لذا كتب عزالدين نجيب في مقدمة الكتاب الذي أعده صديقه هشام قنديل كتحية لمسيرته الفنية: " هل رأيتم ماذا أعطاني الفن؟ "أعطاني ميلاداً ضد الموت... أعيادَ ميلادٍ بعدد اللوحات التي أعددتها". لقد أبدع عزالدين نجيب في تكوين مساحة بل ساحة فنية كبرى، لها لوحاتها، وقصائدها. خيال مبدع وروح فيّاضة بثراء الأركان والأشكال كل على حدة. إنه يرسم من صفاء روحه، ويكتب من حرية خياله الطليق، بيدين ماهرتين تقطر منهما رائحة القصائد واللوحات يتوحد أحياناً بالفن، فيصعب التحاور البسيط معه، لأنه يتوحد باللون حتى يخفي فيه آلامه وهمومه. وما أكثرها في سنوات شبابه أو يتجول تارة في الزرقة، وأخرى في السواد حيث يختفي في المعتقل. وثالثة في درجات البياض، فإذا شفت ذاته وظهر أمامك وجهاً لوجه، قال لك هل أعجبتك؟ "أنا مارست ما تخيلت، وما كتبت إلا ما أحسست، لكني في الحالتين أتمسك بالفن".
-حين يروي الفن قصصاً
آمن عز الدين نجيب أن القوة الفنية تنبع من الداخل، فهي خفية ومتمردة ومتناغمة ومشعة، وهي أيضا تنطبق على شخصية الفنان انطباق القناع الحي على الوجه. هكذا تسللت لوحاته على أحداث حياته، كي تعبّر عن توقه الشديد للحرية الهادفة وللرؤيا الفنية الغنية بالخيال. فهو في كل مراحله الفنية، كان يبحث عن حقائق خفية، ليس كرجل عميق الثقافة، بل كشاعر يقطف أوهام النور كخيال يغوص إلى صمت الدواخل، كي يحرر حوافي الأمكنة الشعبية الساكنة والشموس الآخذة بالغروب على أطلال رمال الصحاري، وتعابير البيوت بوجوهها الخارجة إلى العراء. فالصمت في لوحاته ليس صمتاً أجوف، بل هو آت من صمت الأمكنة في الحارات الشعبية الفارغة، ومن صمت الذكريات الآيلة إلى الأفول، ومن مرايا هذا القلق الإنساني الغامض.
حول تجاربه الفنية، يقول عزالدين نجيب:" فيما يتسرب العمر من بين أصابعنا كحبات الرمل، نحاول ان نستبقي بعض لحظاته العبقة بعطر الحب، أو المسرّبة بسحر الحلم، أو المشعة بوهج الكشف، نستمد من الحنين إليها، وإلى الماضي، طاقة لاستعادة ما سرقته منا الأيام". ويضيف حول تجارب الصحاري والأطلال: "كم من السنين رسمتُ الحصون والأطلال، وكم من السنين رسمتُ الصخور والأمواج. أتسمع دبيب الحياة في الجماد، ودبيب الموت في الحياة. أستنهض الأطلال كي تصرخ، وأستفز الأحجار كي تنطق. وأخوض الصحاري والقفار مستدعياً بالأسئلة إجابات كونية، أشكّل من السراب حقيقة، أعانق الموج كي يحملني إلى المجهول، أسري بين الأضرحة والأديرة منصتاً لعذابات الشهداء، وانتصارات الأرواح على جلاّديها. اليوم وسط تيه بلا خلاص، ودروب بلا يقين، وسط اغتيال الحلم والبراءة، وارتداد الأسئلة، بأسئلة مستحيلة، ما عادت الحصون والقلاع ملاذا من الحراب أو المتاهة، وما عادت الأطلال صالحة للبكاء... تتداعى من جديد تجليات الصحراء، وتشف الروح، متجاورة حدود الزمن والجغرافيا. ليبدأ زمن اللوحة – القصيدة".
-سيرة حياة
كاللحن القديم المنسيّ، جمع عزالدين نجيب باقات مراحله الفنية التي عكست مرايا عمره الفني وثقافته الفنية الغنية والواسعة. فقد ولد في30 نيسان/ أبريل 1940 في مشتول السوق في محافظة الشرقية، من أسرة من الطبقة المتوسطة كان يعمل معظم أبنائها في التعليم والزراعة. كان والده أستاذًا يكتب الشعر ويزاول فن تجويد الخط.
درس عز الدين نجيب الفن ما بين عامي 1958-1962، في كلية الفنون الجميلة في القاهرة، حيث تخصص في مجال الرسم الزيتي. بدأ منذ العام 1958 بنشر قصصه القصيرة في جريدة المساء وفي قراءتها ومناقشتها برابطة الادب الحديث ونادي القصة في "شقة العجوزة" التي كانت مركزًا ثقافيًا طليعيًا شهد العديد من لقاءات وحوارات الرسامين والشعراء وكُتّاب القصة.
ونظراً لدوره كناقد وفنان طليعي انتخب في العام 1995 رئيساً لمجلس إدارة أتيليه القاهرة للفنانين والكتّاب. وكان من نتائج اهتماماته بالفنون الشعبية ان ساهم (ما بين عامي 1992-1999) في تأسيس الإدارة العامة لمراكز الحِرف التقليدية والتشكيلية بوزارة الثقافة وتم تعيينه مديراً لها. وفي العام 2000 أصبح رئيسا للإدارة المركزية لمراكز الإنتاج الفني وفي العام ذاته احيل على التقاعد " المعاش".