شهرٌ تلألأُ في سمائنا فجراً مضيئاً حاملاً معه تباشير الفرح، يضيء ظلمة التّائه، يأخذ بيده نحو الطّريق القويم، شهر العتق من النّار، تتنزّل فيه الرّحمات من ربّ عظيم ليغفر ذنوب المستغفرين ويتوب عليهم، هو شهر التّغيير لمن أراد التّغيير نحو الأفضل، تولّد فيه الطّاقة الإيجابيّة لاستغلالها بالطّاعة والعبادة، فالطّقوس الدّينيّة مفتاحٌ لشحذ الهمم، وتنقية القلوب من كلّ ما يشوبها كالحقد والكره والبغض والصّفات السّلبيّة، وتنظيف الأبدان من الأدران، يعيد تهيئة الإنسان ليكون شخصاً جديداً مختلفاً عن سابقه، فالكون بأكمله في تغيّر دائم، وجاء شهر رمضان مواكباً للمسيرة الكونيّة، مجدّداً للنّفوس البشريّة بكلّ ما فيها جسداً وأفكاراً، فالصّلاة والصّيام وقراءة القرآن والذّكر وكلّ الطقوس الدّينيّة من شأنها أن تهذّب النّفوس، وتضبط السّلوك، وتمدّ الجسم بالطّاقة التي تعينه على الاستمرار والمواظبة على الطّاعات باقي أيام السّنة.
أيامٌ معدودات يجب استغلالها بشكل كبير، واغتنام كلّ لحظة من لحظاتها، وخاصّةً في العشر الأواخر، ففيه العتق من النّار ورفع للدّعوات والأمنيات، وفيه ليلة القدر تعادل ألف شهر ( ليلة القدر خير من ألف شهر)، فكلّ عملٍ في هذه الأيام المباركة مضاعف الأجر والثّواب والعبادة، ما ينبغي عدم التّفريط بها، بل الاعتكاف والتزام الخلوة إن أمكن ذلك، وتأجيل كل ما من شأنه أن يُبعد الإنسان عن العبادة، كوسائل التّواصل الاجتماعيّ على اختلاف أنواعها فيسبوك، تويتر، إنستغرام وغيرها، التي تعمل كسارقٍ للوقت، حيث يتمّ قضاء ساعات طويلة بالتّصفّح وقراءة المحادثات ومتابعة أخبار المشاهير، أيضاً المناقشات بمواضيع غير مهمّة يمكن تأجيلها إلى وقتٍ لاحق، أمّا دقائق وساعات الشّهر الفضيل إن رحلت لا تعود أبداً، تذهب ويذهب معها الأجر والثّواب.
لذا فلنستغلّ هذه الثّروة العظيمة والأوقات المباركة فيما يرضي الله ويعود على الإنسان بالفائدة الجسديّة والرّوحيّة، فهو شهرُ التّجديد وطرد الكسل والتّكاسل، وزرع بذرة العمل ليتمّ حصاد ثماره على مدار أيام السّنة كلها، لأنّه شهرٌ غير آنيّ، فتبتهج الوجوه ضاحكة مستبشرة، موفَّقة لعمل الخير، واثقة برضى الله وكرمه.
تقبّل الله أعمالنا جميعاً وأعاننا على صيامه وقيامه، وكتبنا من عتقاء النّار ورزقنا جنةً عرضها السّماوات والأرض.