ما أكثر الأسماء التي عبرت عمري حاضرة أمامي الآن، تصطف في مسرح الذاكرة بعشوائية مُغيظة.
هناك زحمة وفوضى وأصوات متداخلة، شيء يُذكرني بالليل الطويل الذي حذرتني أمي منه، قائلة وهي تأخذ الباب بيدها إنها جربته مسبقاً، وطعمه يشبه طعم الملح، الملح وحده..
تخرج من ذاكرتي والطين مشلول خلفها، أجالس نفسي وأتساءل:
يا أيها العمر الشقي إلى ماذا تطمح؟
هل تريد أن تكون رقماً سيتوقف عند حد معين ولن يُعينه أي رقم آخر على الزيادة، أم أن تحترق حتى تصير نجماً في الأعلى لا يُميز عن غيره؟ تُحدق بك الفتيات الحالمات ويغلبهن النعاس نهاية!
لا الفكرة تصير حديقة مثلما أوهمتك معلمة الفن، ولا الشعر يمد يده لروحك مثلما أقنعتك معلمة اللغة العربية.
وحدها الحياة درس يكرر نفسه.
حين تبدأ عمر الخامسة وعشرين، تُصرح لنفسك أن هذه الأحداث مرت عليك.
يا ليتنا لم نتعلم غير رقم واحد، كنا توقفنا عن العد عنده، من دون زيادة عن الواحد، أنا واحد وأنت واحد، لن نصبح اثنين مهما حدث!
كنا فرادى ومقتنعين أن هذه مسيرتنا إلى الله، والآخرين مجرد رفقة زائلين، يزينون العمر ببهرج خداع..!
معلمة الرياضيات لم تجبر قلوبنا، علمتنا الأعداد، لنسير في أعمارنا نحصد قلوباً لا تُعمر في أرواحنا..
ذاكرة الإنسان عجيبة، تعلم أن اسمه من المنسيين وتستمر المسير،
أُيعجبك الطريق، أم يُريح صدرك الحريق؟..
يُعجب الإنسان فكرة اللحظة، مع أنه يلعنها في اللحظة الأخرى لأنها انتهت!
أنا عندي حنين الآن للماضي الذي يتأجر أكتافي، ويُتاجر بمشاعري التي ابتاعها الليل من ذاكرتي.
يتسلق إلى روحي بمهارة ويلكز ذاكرتي لتبدأ بتلاوة أسماء قديمة سارت في شوارع هذا العمر الباطل..
والله قالها عبدالحليم: واهي دنيا بتلعب بينا!
لن أعلّم طلبتي الأرقام وسأطعنهم بالشعر، كي يمدحوني حين يقفون في منتصف العمر مُتعبون من العد، مع ذلك سأعلمهم أن الشعر يواسي أحياناً ومهما حدث وأعجبك لا تغفل عنه، وأن العمر مهما كبر نحن إلى العدد الأصغر.
فليست مصادفة أن تقرأ كلمات أحدهم وتشعر بأنها لك كأنها كتبت لك، وإن أردت من الحياة نصيباً فثق بالله؛ فوالله إن الله بلطفه يرتب الأسباب حتى تصبح بين يديك لتبتسم وتهمس، تعلمت، تمنيت، سعيت وحصدت من القلوب ما استطعت ومن الأرواح تتذكرني أكثر مما تتذكر ما كان بالأمس، ولله الحمد.