أتخلص من حزني في مكتبي وعالمي الخاص، يحفزني صوت موسيقى الجاز لأمارس الكثير من الإبحار في عالم كتاباتي، لعلي أفقد الكثير من حزني، منذ نصحتني صديقة لي أن أمارس رياضة ما أو ممارسة هواية في ذروة أوقات حزني، وأخبرتني أن التأمل عصياً عن علاج طاقة الحزن الكامنة داخلنا، نحتاج أن نفرغ ما في داخلنا بطريقة جديدة، أضحكتني حين قالت: لقد فقدت الكثير من حزني.
أتذكرها اليوم وأقول: لقد فقدت الكثير من حزني.
ولكن اليوم، كل الحزن الذي خسرته عاد حين غيرت أثاث مكتبي، بل غيرت منزلي.
مزاج مكبر الصوت بالأغنية التي تُعيدني من الصفر.
المكان نفسه ومن الصفر.. شعرت بأن قواي خارت وعقلي توقف عن التفكير، وأني تلك الضعيفة التي تسد ثغراتها بمعية الله، وأنه ليّن مكسور لا مُحالة!
ظللت أردد وأنا أزيد الضغط على قلمي: هل تهزمنا أغنية؟! أم تهزمنا الكلمات؟
واعترفت أخيراً لنفسي "أنا فقط متعبة"
لا الناس تدرك آلامي
دخان ينبعث من عقلي
رخام الأفكار يهلكني
...
كل لحظة لها وجه آخر
ستبقى حزناً مستتراً بالفرح
وسراً بعد ذنب الوقت يعار
خرجت من المكان الذي رغم اتساعه ضاق على روحي، واكتشفت أني استعملت علاجاً مستعملاً على مريض لا يشكو علتي نفسها، وهرعت إلى الشوارع كالغريبة، خطوة تتلوها خطوة في مسيرة لا أعلم شيئاً عنها، ولكني استهديت بالله حين بدأت تتشكل قطرات مطر على الأرض، شعرت بفرج يسري في صدري، كأني لم أكن الشخص الذي تترنح الحيرة على أكتافها.
حين تمطر نشعر بالفرج، مع أن لا شيء تغير وأني سائرةٌ إلى قدر مازال مجهولاً، إلا أنه شعور لطيف يراود نفسي حينها، مهما كانت الدنيا ضيقة على روحي، وكل ما في الحياة ضاق عن مقاس صبري، تلقي السماء تحيتها على الطبيعة، تبلل الشجر الذي يعلن صمته، تحذر نوافذ البيوت، فتحرص الأمهات على إغلاقها..
على جانب الطريق يتستر الناس من المطر، وحدي من أواجه كصديقة قديمة، يخطر في بالي ذلك الشعور القديم أني شخص رحالة من دون وجهه رغم أن لبيتي باب، وأدل الطريق الذي يدلني على الباب، ولكن أن تسير من دون هدف، طريق يُغريك وأنت في منتصف العمر بعد أن عضتك الحياة من قلبك..
قررت أنه من حقي أن أكون طليقة حرة، غير مُقيدة بطريق أو هدف هذه المرة، وصلت البيت والمطر يُبللني: قلت لهم:
أريد أن أكون أنا فقط أنا من دون صوت أحدهم يخبرني من أنا.
وضبت حقائبي وانطلقت..
روحي طليقة