من المُلاحظ أن مجموعةً من الـمساجد المُشيّدة في الدول العربية خلال السنوات الأخيرة، تتخذ طابعاً حداثيّاً أكثر فأكثر، وتتقشّف في عناصر التزويق والـتزيين، وتتحدّث لغةً معماريّةً سهلةً، بالانسجام مع الحياة المعاصرة، وتولي اهتماماً بالبيئة. فما هي الأسباب التي تجعل أبنية دور العبادة الإسلاميّة تتجه إلى المعاصرة؟ وما هي التغيّرات الجوهريّة على هذه الأبنية بين الأمس واليوم؟
سؤالان حملتهما "سيدتي" إلى مدير المشاريع في "مكان مهندسون استشاريون" المهندس مازن فاضل، الذي أشرف على بناء مساجد عربيّة في مدن عدة، وعادت بالآتي.
___
كان المسجد قديماً مكاناً للعبادة، بالإضافة إلى دوره كمصدر للحكم ولنقل التعليمات الدينيّة ولتشاور المسلمين، وهو عرف تطوّرات عدة في العمارة حسب المهندس مازن فاضل، الذي يُسلّط الضوء على أبرزها، قائلاً: "كان سقف المسجد زمن الرسول (صلّى الله عليه وسلم) يتكوّن من جريد النخل، ودواخله عبارة عن حجرات وأعمدة من جذوع النخيل. ثمّ، ضمّ المسجد كلّاً من الصحن والأروقة والميضأة (مكان الوضوء) والمقرنصات والقبّة والمئذنة... إليه". ويضيف أنّه "كانت تستخدم مواد محلّية في بناء المسجد، الذي ينطبع بالطابع الخاصّ بالحارة أو الشارع الذي يرتفع فيه؛ ففي مصر على سبيل المثال لا الحصر، كانت العمارة الدينيّة الإسلاميّة تتميّز بطغيان الحجارة، لوفرة المادة، لذا كان اللون المسيطر على المساجد هو الأبيض المصفر (لون الحجر)، بالإضافة إلى استخدام الرخام بأنواعه حسب توفّره في تصميم دواخل المسجد".
عناصر المساجد
تنقسم عناصر المسجد إلى شقّين:
- عناصر خارجيّة، كالمئذنة والقبّة.
- عناصر داخليّة، كالمنبر والمحراب والمقصورة والميضأة والأروقة.
مساحة المسجد مؤثّرة من دون شك في كيفيّة ظهور العناصر المذكورة، مع توضيح من فاضل، مفاده بأن "بعض العناصر أصبح راهناً، في إطار المساجد المعاصرة، مبسّطاً ومجرّداً، والبعض الآخر عرف تغييرات في شكله، مثلما حدث في تطوّر الميضأة التي كانت مميّزة لناحية موقعها وسط الصحن، لكنّها أمست عنصراً مخفيّاً".
أمّا لناحية لون العمارة، فمع تطور حياة الإنسان، ومواكبة البناء لذلك، يسيطر البياض النقي على هياكل المساجد الحديثة، التي يمثّل التصميم الداخلي فيها عاملاً مساعداً للمصلّين في التأمّل وصفاء الذهن.
سؤال "سيدتي" حول الأسباب التي دفعت إلى تخلّي العمارة، التي يلهج المصلّون فيها بذكر الله، عن التزويق، وإلى تقديم مساحة تشعر بالسكينة بامتدادها، وباحترامها للمحيط الذي ترتفع فيه، يجيب المهندس عنه، مستذكراً وصيّة الرسول بإبعاد الزخارف عن بيوت الله حتى لا تلهي المصلّين. لكن، ما لبثت الزخارف أن أدرجت في البناء، بما يتناسب مع الحال الاقتصاديّة للعصر وقوّته، وصولاً إلى العصر المملوكي، حينما كان الحكّام يتباهون بزخارف المساجد. ثمّ، قاد كلّ من تطوّر العمارة في الدول العربيّة واستخدام المواد الحديثة وسرعة وتيرة الحياة، إلى مساعدة المصمّمين في التوجّه إلى المدارس التصميميّة الحديثة، على صعيدي العمارة والتصميم الداخلي، كما في مواد البناء، مع التقشّف في التفاصيل حسب فاضل.
يفصّل فاضل فكرته قائلاً إن "تطوّر الإنسان انعكس على تطوّر العمارة، فواكبت المساجد ذلك باستخدام المواد والطرز الحديثة للعمارة الداخليّة، بالإضافة إلى إيلاء عناية بالبيئة عن طريق تدوير المياه المستخدمة في الوضوء في ريّ الخضرة المحيطة، كما تقسيم الفراغات بصورة تسمح بالتقنين في الإضاءة الصناعيّة".
إلى ذلك، من أساسيّات العمارة احترام المحيط الخارجي، لناحية المواد والألوان والطابع المسيطر على المكان، وقد لحقت عمارة بعض المساجد الأمر.
لعبة الظل والنور
كانت أسقف بعض المساجد تضمّ الثريّات الضخمة، التي أصبحت تغيب راهناً عن المساجد الحديثة، أو تطلّ بخفر، في مقابل العناية بحسن توزيع الإضاءة في العمارة الحديثة، والتقنين في استخدامها احتراماً للبيئة. يشرح المهندس مازن فاضل الأمر قائلاً إنّ "الأمر في نهاية المطاف يرجع إلى رؤية المصمّم، الذي يبدي غالباً اهتماماً بلعبة الظل والنور في رؤيته للعمارة، الأمر الذي يؤثّر في إشعار المصلين بالخشوع وبتقدير عظمة الخالق".
_
- الصور من MAKAN consulting engineers LLC