الحديث مع نهال زكي، الاسم مرموق في عالم التصميم الداخلي في مصر والدول العربيّة، مباشر ومليء بالإيجابيّة وبالثقة، لأن المهندسة تنظر إلى العمل من منظور الشغف، وتعدّ إنجازاتها المُكرّمة بالجوائز على المستوى المحلّي، كما في منطقة الشرق الأوسط والعالم، نافذة للإدلاء بدلوها، كعربيّة، في ساحة التصميم العالميّة.
في الحوار الآتي نصّه، تتحدّث المصمّمة لـ"سيدتي" عن أساليب المدارس الفنّية المعقّدة والمتكلّفة التي تهوى خوض غمارها، وعن سبب تأثّرها بهذه المدارس، كما عن تقديرها للحرفيين المصريين...
___
يبدو "المكسيملزم" Maximalism طاغياً على مشاريعك السكنيّة في التصميم الداخلي؛ هل من سبب محدّد لذلك؟
يرجع السبب إلى ظروف طفولتي؛ كنت زرت خلال سنوات مبكّرة في حياتي قرى "البروفانس" بجنوبي فرنسا، كما القرى بجنوبي إيطاليا، وذهبت للمزادات ومتاجر الأنتيك... ثمّ، درست في إنجلترا حيت انجذبت إلى الطابع القوطي، وقصدت براغ التشيكيّة التي أقمت بها لفترة، وبهرتني بمدينتها القديمة... لذا، تمكّنت من "المكسيملزم"، والمدارس الفنية التصميميّة المشتقة من العصور القديمة (النيوكلاسيكيّة والقوطيّة والأمبير)، لتقديري وحبّي لها.
هل تلاحظين من خلال الاحتكاك المباشر مع العملاء أن الأذواق، لناحية الديكور الداخلي، تغيّرت بعد الجائحة؟
في مواكبة للتغيّرات التي فرضتها الجائحة على أسلوب الحياة، وللعصرنة، أصبحت أسعى إلى تصميم وتنفيذ مساحات مريحة وعمليّة و"مضبوطة" لناحية التكلفة. لكن، الجدير بالذكر أن طراز "المكسيملزم" يُستعاد بعد الجائحة لسبب وجيه، هو قضاء الناس ساعات متزايدة في المنازل، منغلقين، ومختلين بأنفسهم. بالتالي، مع تقلّص مرّات الخروج، يزداد الطلب من سيّدات ورجال من ملّاك المنازل على جعل مساحاتهم كثيرة المقتنيات والأعمال التصميميّة، ولو مع مراعاة التكلفة. إلى ذلك، هناك أسماء عالميّة لامعة في مجال التصميم الداخلي، كالفرنسيين فانسان داري وجاك غارسيا، اللذين دفعا ولمّا يزالا في اتجاه "المكسيملزم".
أساليب معقّدة ومتكلّفة
خضتِ غمار المدارس التصميم بمجملها، ومنها: القوطيّة والروكوكو والكلاسيكيّة والإسلاميّة... لكنّك بقيت بعيدة عن مفهوم "الأقلّ هو الأكثر" Less is more؛ هل من سبب لذلك؟
لم أنفّذ مشاريع تتبع المفهوم المعاصر التقشفّي، لسبب لا يرتبط بي بل بالعملاء الذين ينظرون إلى هويتي التصميميّة، فيطلبون تحقيق أساليب معقّدة ومتكلّفة في مساكنهم. يستطيع أي مصمّم ربّما الاشتغال على الطراز المعاصر، لكن مع انهماكي بالمشاريع المعقّدة، لا يبدو أن الوقت يسمح في تنفيذ البسيط منها.
كيف تنظرين إلى الطراز الإسلامي المحدّث، في التصميم الداخلي، بخاصّة مع ازدياد الاهتمام به على الصعيد العربي؟
الطراز الإسلامي في التصميم دسم ومبهر ورائع، وهو مستمدّ من الطراز القوطي. في هذا الإطار، تلفتني مبادرات المصمّمين الشباب في المنطقة العربيّة، والذين يقومون بتحديث الطراز المذكور عن طريق إدخال مواد وألوان جديدة إليه، وتجريده.. سيدخل الطراز المحدّث إلى مشاريعي المستقبليّة.
كيف تصفين أسلوبك؟
أسلوبي شخصي ومثير للمشاعر وأنثوي. هو خالد، يركّز على العمق ويقيم شأناً للجانب الفنّي والعواطف. كنت اشتغلت في تصميم وتنفيذ مشاريع تجاريّة وفندقيّة، كما مطعم نجيب سويرس الليلي، وشركات، لكن للمشاريع السكنيّة مكانة خاصّة في مسيري في عالم التصميم الداخلي، إلى حدّ أن من يدخل أحد هذه المساكن يعرف أنّها تحمل توقيعي، للحيويّة التي يستشعرها والألوان والإشراقة...
القيمة الإنسانية
العمل الحرفي بأيادٍ مصريّة يمثّل جانباً هامّاً في مشوارك.. ماذا يعني لك الأثاث يدويّ الصنع، في زمن غارق بالتكنولوجيا؟
"للصنايعية" و"الأسطوات" المصريين تأثير كبير في كياني المهني، ففي مصر الجانب الحرفي الماهر متقدّم.. هؤلاء ناس لن يتكرّروا، وهم يمثّلون ثروةً لمصر، وأينما وجدوا في المنطقة العربيّة... لناحية الأثاث يدويّ الصنع، هو يمتلك حضوراً خاصّاً في المنزل، إذ يضيف قيمةً إنسانيّةً إليه، على غرار الدور الذي يقوم به فستان من الخياطة الراقية تختاره امرأة لإطلالتها. أمّا عن التكنولوجيا فهي تسمح بإراحة أصحاب المنزل من دون شك، لكنّي أقصر استخدامها على عناصر محدّدة، كأنظمة الإضاءة، وأتمتة المنزل.
للحرفيين المصريين المهرة تأثير كبير في كياني المهني
حدّثينا أكثر عن عملك المتمثّل في تصميم ديكور برنامج "أبله فاهيتا"، كما إطلالتها؛ كيف تحقّق التعاون مع الأرملة المحبّة للحياة؟
على غرار فيليب ستارك ومارسل واندرز، اللذين يسلكان دروباً مختلفة في اشتغالاتهم الفنّية، ولأنّي فنّانة قبل أن أكون مهندسة في التصميم الداخلي، فإن طاقتي الفنّية بحاجة إلى الظهور في ميادين شتّى.. في هذا الإطار، كنت جدّدت إطلالة "أبله فاهيتا"، التي أصبحت شقراء، وتتزيّن بالمجوهرات، في مشروع مرح. الجدير بالذكر أن الأرملة المحبّة للحياة، كما وصفتِها، شخصيّة ظريفة في الواقع، وهي تقدّر ذوقي الخاصّ، كما التصميمي، لذا أحببت أن أضيف جانباً من نهال زكي إلى "اللوك" الخاصّ بها.
كُرّمتِ بالعديد من الجوائز على المستويين العربي والدولي؛ هل تعني لك هذه المسابقات الدوليّةً أم هي مجرّد وسيلة لبقاء المصمّم حاضراً في ساحة التصميم؟
منذ عام 2007 حتّى يومنا هذا، كرّمني الله بنيل الجوائر من جهات عدة.. هي تعني لي أكثر من مجرّد البقاء في ساحة التصميم، لأنّي أعدّها وسيلةً لإسماع صوتي كامرأة مصريّة وعربيّة خارج بلدي ومنطقة الشرق الأوسط، وللقول إن مصر بلد الحضارة وإن ناس مصر يتمتّعون بأذواق رفيعة وبالإلهام وإن حرفيي مصر مهرة، وذلك في ساحة التصميم العالميّة.
الخطوات الأولى نحو العالمية
ماذا يمثّل لك المصمّم أندرو مارتن، بخاصّة أنّك نلت الجائزة التي تحمل اسمه أكثر من مرّة؟
محظوظة بأنّي كسبت هذه الجائزة لثلاث مرّات؛ بخاصّة أن لجنة التحكيم انتقائيّة للغاية، وضامّة لكبار الشخصيّات. جائزة أندرو مارتن هي بمثابة خطواتي الأولى نحو العالميّة، فقد كنت أوّل مصمّمة مصريّة تنال الجائزة المرموقة، التي سمحت لي منذ عام 2007 بالظهور في الصحافة البريطانيّة، وبجعل الضوء مُسلّطاً على مشاريعي المكرّمة، ومنها: المنزل استوائي الطابع في الساحل الشمالي، والمنزل مغربيّ الطراز، والثالث قوطيّ.
في سطور...
في التعريف عن ذاتها، تقول مهندسة التصميم الداخلي نهال زكي لـ"سيدتي" إنها "مصريّة عربيّة".. وهي كانت أسّست شركتها المتخصّصة في التصميم www.nihalzaki.com في عام 1999، مباشرةً بعد العودة إلى أرض الوطن، إثر التخرّج في "مدرسة إنشبولد للتصميم الداخلي" Inchbald School of Design بلندن. كانت الشركة المذكورة بداية انطلاقتها في عالم التصميم، بمصر والعالم العربي.