في الحديث مع المهندس طارق الزهارنة، غوص في فلسفة العمارة، التي تُترجم احتياجات الإنسان وتُثري القيم والسلوكيّات وتُستثمر مدى العمر، حسب تعبيراته. يهدف الزهارنة ذو الأصل الفلسطيني، والهويّة اللوكسمبورغية للوصول إلى لغة معماريّة معاصرة في المنطقة، ويولي البحث أهمّية كبيرة في عمله، كما التفاصيل الحرفيّة والمادة والتنفيذ عالي الجودة.
في الحوار الآتي نصّه مع "سيدتي"، هو يتذكّر زيارته الأولى لـدبي، والشعور الذي حثّه على البقاء في المدينة، كما أيّام الطفولة في اللوكسمبورغ...
___
متى جئت دبي، في المرّة الأولى؟ وهل من مناسبة خاصّة غيّرت خططك ودفعتك للبقاء؟
لقد وصلت دبي في عام 2009؛ سنتذاك رأيت أن هندسة العمارة مرشّحة لتساهم بصورة رئيسيّة في تطوير المدينة، والإمارات العربية المتحدة بشكل عامّ، كما شعرت بأن مهندسي العمارة قادرون على توجيه تلك اللحظات المتفرّقة من هندسة العمارة في بيئاتهم الحضرية، ووضعها في سياق دبي، في إطار جهد جماعي، لمعالجة النسيج الحضري والطبيعة الصحراوية، وإسكان الناس. ربما تمثّل هذه الطريقة إحدى الطرق التي تؤثّر حسبها البيئة المبنيّة على الطريقة التي نفكّر بها ونشعر بها ونتصرّف حسبها ونتحدث عنها الآن، فأهميّة العمارة لا نهائيّة. هذه هي الأفكار والمفاهيم التي أبقتني في دبي لنحو عقد من الزمان، وكانت رائدة في الطريقة التي أتعامل أو نتعامل كفريق عمل في T.ZED Architects التي أسّستها" في عام 2015 حسبها، مع هندسة العمارة والتصميم، سعياً إلى هدف كبير هو الوصول إلى لغة معمارية معاصرة في المنطقة عن طريق البحث الاستقصائي والتصميم الذي يُنشئ عمارة ديناميكيّة.
تطوير دبي
كيف تغيّرت دبي منذ ذلك الحين من حيث هندسة العمارة والتصميم؟
لقد تغيّرت دبي بالطبع منذ وصولي إليها... هناك وعي أقوى بالعمارة، مع إحساس بكيفيّة تأثيرها على المستخدمين؟ وكيف يستجيب هؤلاء للتدخّلات المختلفة داخل المدينة؟ صناعة البناء التي تستثمر مدى العمر، مع قابلية للنجاح في امتحان الزمن، والتكيّف والمناداة بلغة تصميم سياقية، كلّها نقاط تمثّل نهجنا، مع فريق العمل في "الشركة" للمساهمة في تطوير دبي، وهذا البلد عموماً.
اسمك معروف إلى جانب بعض المهندسين المعماريين الآخرين، تحت عنوان "بناة دبي"؛ ما أهمّية ذلك إليك؟
أفضّل مصطلح "ممكّنو دبي" أو "مهندسو العمارة"... لناحية الممارسة، أرى أنّنا (مع فريق العمل) متجذّرون بعمق في عمليّة التصميم والتشييد، فنحن نولي اعتباراً للمادية والبرنامج والتفاصيل، أثناء الانخراط في صميم هويّة كل مشروع والغرض منه. لا يقتصر النهج الماهر والمهني على مقياس المشروع أو وظيفته، بل يطبّق التفكير المعماري الخالص على كلّ مبنى وعلى التصميم الداخلي، كما التدخّل الحضري وتصميم القطع، فكلّ مشروع يقوده البحث. أودّ أيضًا أن أعتقد أن علاقتنا مع العملاء هي عامل تمكين من أجل إيجاد حوار جديد وعميق حول التصميم والهياكل المعماريّة.
بيوت الأشجار
ماذا تتذكّر من مدينة لوكسمبورغ حيث نشأت؟
التجريب والعاطفة والمرح أثناء بناء بيوت الأشجار، في الصغر، بالإضافة إلى الاتصال بالدول الأوروبيّة والقدرة على التعلّم واكتشاف التنوّع في هندسة العمارة والتصميم.
عمارة خالدة
أخبرنا المزيد عن فلسفتك في هندسة العمارة والتصميم الداخلي؟
فلسفتي هي ببساطة تصميم العمارة التي تُترجم احتياجات الإنسان وتُثري القيم والسلوكيّات وتُستثمر مدى العمر وتصلح للعيش، في إطار النسيج الحضري. هي عمارة خالدة وقابلة للتكيّف مع استخدامات متعدّدة، بالإضافة إلى احتياجات العملاء، وذلك من خلال إيلاء كلّ من التفاصيل الحرفيّة والمادة والتنفيذ عالي الجودة أهمّية. في "الشركة"، يقود الاهتمام المتواصل بالسياقات إلى التقدّم لمسابقات العمارة الدولية، كما تقديم المشاريع السكنيّة والتجارية الخاصّة والعامّة الغنيّة بالتفاصيل، مع رؤية استشرافيّة للمساهمة في "تطوّر العمارة"، علماً أن مراقبة التراث والثقافة عن كثب أساس لابتكار لغة تصميميّة حديثة.
بعد الاشتغال بخامات كثيرة، واستكشاف حدودها؛ هل تُفضّل العمل بمواد محدّدة؟
المواد المُعبّرة والدقيقة والبارزة، التي تؤسّس الحواس على الفور روابط معها.
رياضة الجوجوتسو
تُقارِن هندسة العمارة برياضة الجوجوتسو (مجموعة من أنماط الفنون القتاليّة اليابانيّة)، التي تُمارسها. حدّثنا عن المزيد؟
يتفق المجالان في نواحي الانضباط والشغل بكدّ والتواضع والقدرة على التقاط الأنفاس بعد السقوط، كما على حلّ أي مشكلة، مع الإدراك على الدوام أن هناك حلّ، وأن هذا الأخير يجب أن يكون فعّالاً.
هندسة العمارة شبيهة برياضة "الجوجوتسو" القتالية اليابانية، فالمجالان يتطلبان الانضباط والشغل بكد والتواضع
لناحية ثقافة التصميم لدى المستهلكين العرب؛ هناك تغييرات كبيرة في الأذواق.. ما رأيك؟
نعم، هناك تقدير أعلى للحرفيّة والعمارة "الخالدة".
من هم المهندسون المحبّبون إليك؟
الرؤيويان بيتر زومثور والراحل أوسكار نيماير، وإيساي وينفيلد وألبرتو كالاتش ومارسيو كوغان، الذين يمثّلون نماذج يُحتذى بها في إطار الممارسات الهندسيّة السياقيّة المدفوعة بالحرفة، بالإضافة إلى كارلو سكاربا الذي يقدّم نموذجاً عن المادية والحرفيّة.
ما هي مشاريعك المستقبليّة؟
أتطلّع إلى تنفيذ مشاريع "مثيرة"، من شأنها تعزيز اللغة المعماريّة في المنطقة، فضلاً عن تعزيز الحضور الأوروبي عبر مكتب "الشركة" في اللوكسمبورغ.
في سطور...
نشأ طارق الزهارنة في اللوكسمبورغ قبل أن ينتقل إلى لندن وينال شهادته الجامعيّة من مدرسة بارتليت للهندسة المعماريّة. بعد التخرّج، هو عمل في شركات تصميم عدة، مثل:Urban A & O في نيويورك و Bolles + Wilsonفي مونستر، بألمانيا. كان المهندس نفّذ مجموعةً من المشاريع في أنحاء أوروبا وأميركا الشماليّة والشرق الأوسط، قبل تأسيس شركة T.ZED Architects عام 2015، في كلّ من دبي ولوكسمبورغ. تعمل "الشركة" على صعيد دولي، مع الإشارة إلى أن الممارسة المعماريّة والتصميميّة تقدّمية فيها.