يُقصد بالسرقات الأدبية أخذ كلام الغير، سواء أكان لفظاً أو معنى، وهو أن يعمد الشاعر إلى الأخذ من أبيات شاعر آخر، أو يقتبس الكاتب الروائي من غيره من دون الإشارة إليه، فيما وصلت الجرأة بالبعض، إلى سرقة رواية بأكملها، ونسبها إلى نفسه. ومع ذلك، لا توجد قوانين لحماية الملكية الفكرية في أغلب البلدان العربية، فالأدب مباح، وليس هناك من يحميه. بينما الألم لا يزال يعتصر الكتّاب، لما سُرق منهم بالفعل، أو خوفاً على ما أبدعوه من السرقة. حال السرقات الأدبية في الوطن العربي، وكيف يتصرف الكتّاب حيال ذلك؟
أعدّت الملف | لينا الحوراني Lina Alhorani
الرياض | محمود الديب Mahmoud Aldeep
بيروت | عفّت شهاب الدين Ifate Shehabdine
تُونس | مُنية كوّاش Monia Kaouach
القاهرة | أيمن خطّاب Ayman khatab
تصوير - دبي | غيث طنجور Ghaith Tanjour
السرقات الأدبية منذ الجاهلية
السرقات الأدبية ليست ظاهرة حديثة، برأي الكاتب والشاعر السعودي، صالح جعري، ولعل بدايتها ظهرت في الشعر الجاهلي، وليس أدل على ذلك من قول طرفة بن العبد: وَلا أُغيرُ عَلى الأَشعارِ أَسرِقُها **** عَنها غَنيتُ وَشَرُّ الناسِ مَن سَرقا
يتابع صالح: «انتشرت السرقات الأدبية وذاعت في العصر العباسي، ونبه إليها الأصمعي حين تحدث عن نصف بيت سرقه جرير، وكثرة ما سرقه الفرزدق. أما في العصر الحاضر، ومع اتساع المعرفة ووجود التقنيات الرقمية، فقد أصبح كشف السرقات، وحماية الملكية الفكرية والحقوق الأدبية أمراً سهلاً وأكثر انضباطاً من الناحية التقنية. فلم تعد السرقات الأدبية جريمة أخلاقية فقط، بل باتت جريمة قانونية يحاسب عليها القانون بالسجن والغرامة».
ما زالت السرقات الأدبية نشطة، خاصة في الأدب القصصي والروايات، وبالذات في العالم العربي، فقد يسطو بعض الكتاب على روايات أجنبية، وينقلونها إلى العربية من دون الإشارة إلى مصدرها ونسب الفكرة إلى أنفسهم، يعلّق صالح: «لدرجة حصول بعض الروايات والمؤلفات المسروقة على جوائز أدبية؛ ما أغرى أصحابها لمزيد من السرقات، خاصة للروايات المطبوعة باللغات غير واسعة الانتشار، كالصينية واللاتينية، وربما اليابانية والهندية».
تابع المزيد: الملكية الفكرية: ارتفاع براءات الاختراع 11% خلال عام 2021م المنقضي
مريم الزعابي: لم أتعرض يوماً لما يسمى بالسرقة الأدبية والحمد لله على هذه النعمة
يتم حَلّ الموضوع ودّيّاً بين الكاتبين
التفريق بين التأثّر الأدبي وبين السرقة الأدبية، هو أمر تدعو الكاتبة الإماراتية مريم الزعابي، لأخذه بعين الاعتبار، فسرقة الأدب جريمة حضارية، يُعاقِب عليها القانون والتاريخ، ويشهد عليها العالم أجمع، تتابع قائلة: «ليس من العدل أن نطلب من الناس أن يُسامحوا كاتباً ارتكب جريمة كهذه، في حين يرفض هو التعليق أو الاعتذار، وإن حصل ذلك في الإمارات، يتم حَلّ الموضوع ودّيّاً بين الكاتب والكاتب الآخر؛ حتى لا تصل الأمور إلى قضية تُدار في أروقة المحاكم، لمْ أسمع قط بهذه الظاهرة هنا، أو رُبما كانت تحدث، ولكن لا يتمْ الإعلان عنها، وهناك حقوق للملكية الفكرية، وبعد انتهاء الكاتب من إنتاجه الأدبي، يسجله في وزارة الاقتصاد، ويحصل على شهادة مُصدقة يستطيع أن يُقاضي بها من تسول له نفسه سرقة نتاجه الأدبي بعد ذلك». فالكاتب الإماراتي، كما تقول مريم: «يشعر بالأمان في ظل المشهد الثقافي الجيد الذي تشهده الدولة في السنوات الأخيرة». وتعلّق: «هناك اهتمام بفئة الكُتاب، وإقامة الكثير من المعارض الأدبية والندوات، وعن نفسي لم أتعرض يوماً لما يسمى بالسرقة الأدبية أبداً، والحمد لله على هذه النعمة».
جهاد أيوب: بعض أشعاري ومقالاتي وحواراتي سرقت كما هي وبالحرف
لا نعرف إذا ما كتبناه سيُسرق أو قد سرق!
يأكد الناقد والأديب اللبناني جهاد أيوب، أنه لا حقوق لأي مبدع في البلاد العربية، وتحديداً من يعمل في الأدب، فحسب رأيه، أن غالبية دور النشر تتصرّف كما تشتهي، يقولون للمؤلف الكتاب لم يتم بيعه، وبينما كتاب سخيف لصاحب الدار تطبع منه عشرات المرات! يستدرك قائلاً: «حقوق المؤلف في بلادنا كذبة وجودية مؤسفة لكثرة الكوميديا فيها... مع أننا نسمع أن بعض الدول العربية تعمل على حقوق المؤلف!».
أحدهم سرق ما كتبه الأديب جهاد أيوب عن المسرحي سعد الله ونوس، وطبعها في كتاب حمل اسمه، يعلّق قائلاً: «فقط كتب إهداء، وبداية من صفحة، وخاتمة من ثلاثة أسطر... والغريب أن كتابه طبع في دار مهمة وكبيرة! وبعض أشعاري ومقالاتي وحواراتي سرقت كما هي، وبالحرف، فقط يضعون اسمهم عليها!».
ليس هناك قوانين مفعّلة في لبنان لحماية حقوق الملكية الأدبية، يعلّق جهاد: «وجودنا ككتاب عقبة... أعتذر من هذا الوصف، نكتب ولا نعرف إذا ما كتبناه سيسرق أو قد سرق...»!
تابعي المزيد: النيابة العامة السعودية توضح المصنفات المستثناة من حماية حقوق المؤلف
حفيظة قارة بيبان: القانون التّونسي يعاقب بالسجن كل من يختلس إنتاجاً أدبياً
كنتُ ضحيّة قرصنة تكنولوجيّة
تعرّضت الكاتبة التّونسيّة حفيظة قارة بيبان إلى عمليّة سرقة لروايتها «العراء»؛ حيث وصلتها إعلانات عن طريق إشعارات لمقتطفات من الرّواية. تتابع: «تبيّن لي أن صاحبة هذه الإعلانات هي امرأة نقلت روايتي من النّت، ووضعت عليها اسمها، ثمّ أعادت نشرها بدار نشر مصريّة». بلّغت الكاتبة حفيظة عن اختلاس روايتها للمؤسّسة التّونسيّة لحقوق المؤلّف التي قدّمت شكوى إلى الجهات المسؤولة في مصر، وجاءت الإجابة أنّ المسروق لم يسجّل في الإيداع القانوني المصري، وطلبوا منها إيداع قضية في الغرض للقضاء المصري، وتقديم الأدلّة لإثبات الضّرر.
تقول: «المنتحلة حذفت ما نشرته، كما بادر اتّحاد الكتّاب المصريين بردّ الاعتبار لي، فدعاني إلى زيارة مصر لتكريمي، كما اختارت الهيئة العامّة المصريّة للكتّاب روايتي «العراء» كواحدة من أهمّ الأعمال الأدبيّة العربيّة». تنصح حفيظة الكتّاب التّونسيين بتسجيل أعمالهم الأدبيّة لدى المؤسّسة التّونسيّة لحقوق المؤلّف والدفاع للمحافظة على ملكيّتهم الأدبيّة؛ إذ يعدّ الإيداع والتّسجيل قرينة قانونيّة لإثبات ملكيّة العمل الأدبيّ، تعلّق حفيظة: «القانون التّونسيّ ينصّ على معاقبة كلّ من يختلس إنتاجاً أدبيّاً بالسّجن، بين شهر واحد وعامّ كامل».
مي عبد الهادي: وجدت قصة مسلسلي مذاعة والتزمت الصمت..
المبدع مباح ولا يوجد حماية قانونية
مي عبد الهادي، أديبة وقاصّة للأطفال من مصر، تعبّر عن الوجع الكبير الذي يعانيه الكاتب المستباح.. فقوانين الملكية الفكرية في مصر تحتاج إلى إعادة نظر، تتابع قائلة: «أغلب التعاقدات مع دور النشر لا تضمن حقوق الكاتب الأدبية والمادية.. ليس هناك ما يثبت بيع النسخ المتفق عليها.. لي تجربة سيئة، فقد كتبت سيناريو مسلسل تحت اسم (كان في واحدة ست) وعلى الرغم من تسجيله لحفظ حقوقنا الأدبية أنا وصديقة لي.. فإننا وجدنا القصة في مسلسل مذاع مؤخراً.. والتزمنا الصمت.. فماذا سنفعل تجاه التحايل والسرقة.. لن نبدد طاقتنا في صراعات لن تجدي».
كما تجد مي أن حقوق الملكية الفكرية تمنح براءات اختراع طبقاً لأحكام القانون عن كل اختراع أو إبداع فني يكون جديداً، ويمثل خطوة إبداعية، تتابع قائلة: «سواء كان الاختراع متعلقاً بمنتجات صناعية جديدة، أو بطرق صناعية مستحدثة، أو بتطبيق جديد لطرق صناعية معروفة، كما يكون منح البراءة لصاحب التعديل، أو التحسين، أو الإضافة».
تابعي المزيد: الإمارات تطلق أول جمعية لإدارة حقوق النسخ في المنطقة