تشير الأرقام الواردة في دراسات اجتماعية إلى أن متوسط سن الزواج للفتيات التونسيات هو اليوم 30 عاماً، وتأكد أن أكثر من 50 في المائة من الفتيات التونسيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 25 و29 عاماً هن عازبات، وأن 30 في المائة من الفتيات اللاتي أعمارهن بين 30-34 عاماً هن أيضاً غير متزوجات. وهذه الظاهرة المتمثلة في تأخر سن الزواج لها أسبابها ونتائجها.
ومن بين أهمّ الأسباب التحولات الكبيرة في الهيكلة التقليدية للأسرة بفعل التغيرات الثقافية، وعمل المرأة، وارتفاع مستويات التعليم لديها مقارنة مع ما كانت عليه سابقاً، ودخولها سوق الشغل إذ بلغت نسبة النساء المتعلمات أكثر من سبعين في المائة مقابل 18 في المائة فقط عام 1966.
الدراسة والزواج
وترى الدكتورة فتيحة السعيدي أستاذة علم الاجتماع بالجامعة التونسية أن ظاهرة تأخر سن الزواج تعد إفرازاً طبيعياً للتطورات الحاصلة في صلب المجتمع التونسي، ومن بين هذه التطورات ارتفاع مؤشرات التعليم. ويعد طول فترة الدراسة أحد الأسباب المباشرة لهذه الظاهرة، بالإضافة إلى أسباب أخرى منها التغيرات الحاصلة في الذهنيات، وكذلك التطورات الاجتماعية، فمثلاً: تصورات الشباب والفتيات وتمثلاتهم حول الزواج قد تغيرت، وكذلك غيرت الأسر تصوراتها أيضاً حول هذه المسالة. فالأب اليوم في تونس يفضل أن تواصل ابنته تعليمها بدلاً من أن تنقطع عن دراستها من أجل الزواج، كما تعتبر الأسرة التونسية أن التعليم بمثابة الحصانة المعنوية والمادية للجنسين.
الاستقلال المادي
وهناك جملة أخرى من المتغيرات ساهمت في تأخر سن الزواج مثل توجه الأزواج الشبان نحو الاستقلال بأنفسهم بعيداً عن الأسرة الموسعة، مما يتطلب نوعاً من الاستقلال المادي والمعنوي عن الآباء. وأمام تسارع نسق الحياة اليومية، وتطور الحاجيات، وتفاقم الصعوبات المادية يتأخر سن الزواج. فالحياة الأسرية اليوم للمتزوجين لها متطلبات عديدة أبرزها الاستقرار المادي، والسكن المستقل، والتجهيزات الضرورية، وهذا يشكل تكلفة حقيقية للمقبلين على الزواج، إضافة إلى التمسك المفرط لدى عدد من الأسر التونسية بمظاهر الاحتفال الباذخ للزواج. فالمتغيرات الاجتماعية الناتجة عن التحولات الاقتصادية والثقافية لم تواكبها بنفس الدرجة تغيرات شاملة في مستوى العقليات والسلوك. فالآن أصبح التونسي يفضل تعليم ابنته، فهو لا يزال متمسكاً بكل أشكال الاحتفال التقليدي للزواج وبالتكلفة الباهظة التي تعيق حياة الزوجين الشابين فيما بعد؛ لأنه عادة ما يرهق الزوجان كاهليهما بالتداين.
الزواج العرفي
والملاحظ أنه ظهر في تونس أمر لم يكن معروفاً من قبل في المجتمع التونسي، وهو الزواج العرفي، وقد انتشر بصفة خاصّة في صفوف الطلبة؛ علماً بأن القانون التّونسي يحجر الزواج العرفي، ويعتبره زواجاً على غير الصيغ القانونيّة ويعاقب مرتكبه، كما يمنع القانون التونسي تعدد الزوجات منعاً كاملاً.