إنه المساء، وقت ثقيل عليك، تمرره بالتأمل كعلاج لا يفي بغرضه، تلملم نفسها من جرح دائم لا يزول..
شيء ضبابي يمر أمامها، تُدرك إنه الإنسان، الجرح الدائم في صدر الوقت.. معلقاً في الساعات، دائراً حولها، لاهثاً خلف الدقائق، لاهياً في الحياة، سجين اللحظة في حزنه، طليق الساعات في فرحه..
تئنّ حين يضرب قلبها العقرب ليتماثل على الثانية عشرة تماماً، وقت تنازع الليل، باحت في سرها كان عليه أن يُعلق هو لا أنا، ويدلي بلسانه خارجاً حين يريد التنبيه، لا أن يمشي على قامتي، وإذا انتهيت لم يُنعش لحظاتي، ويبدل بطارياتي إلا بعد وقت، حين يحتاج أن يعرف توقيت حزنه، أو فرحه المتباهي!
حين ينتهي قلب الإنسان، يتعطل عن العمل، لا بديل له..
يذهب لعمله سائلاً عني، يعود سائلاً عني، ينام معكراً مزاجي لأستيقظ قبله، ويصحو فيضرب على رأسي.
أعلم أنه يتمنى أن أزيد في وقتي، ولكني أركض وأقف أنتظره عند الوقت الذي لا يريد أن يصله لثقل ما هو مطلوب إنجازه، وأركض كأني في سباق حمى، وأنهي أوقاته السعيدة..
الحرب بدأت منذ لم يعرف قيمتي، مذ كان عليه أن يركض خلفي، لسنا سوى عدّاءين لرحلة طويلة لا يعرف نهايتها أحد سوى الذي خلقنا وأطعمني الدقائق وسقاه الحقائق..
لم أكن أريد أن يخسرني، ولكنه الإنسان موهوب في الخسارة حتى وإن ربح، الربح وهم في هذه الدنيا، أنا أهرب منه وهو تارة يُقلدني هارباً مني، وتارة يلحقني ولكنه لا يصل، أشرح له في كل مرة يتعب فيها في الركض نحو المبتغى أنه لا منبه لتنال مرادك سوى أن تكون مع الله، وأن تكون مع الله يشمل أن تعرف وقتك، أنه صديقك، لا عدو جاء من بلاد الشياطين، ليسلخ إيمانك عن روحك..
أحاول أن أبلغه رسالاتي، ولكنه لم يكن ينظر لوجهي طويلاً، لمحة يعرف قدري، ويشيح وجهه لساعات، لأيام، لم أحتمل أن أكون تحت أمره، وانقلاب مزاجه في الأوقات الشتوية، وحصري بمهام زائفة لا يُنجزها إلا حين أموت، يحصرني الإنسان في ضيقه، ويطلق سراحي في فرحه، كأنني الضد في كل أموره، على الرغم من أنني خير معين.
أنا الصديق الذي يريد ان يكون صديقاً وعوناً ولكن حين تعرف قيمتي، أنا عدو حريص أيضاً، فالخيار لك..
انا لست من هواة التحديق في عمل الإنسان، خذ وقتك مني، اقبض على لحظاتك، لا تُضيعها على نفسك، وتنبت في روحك مساحات فارغة من دون عداد، وبلا أي شيء يُذكر..
ولا تنسى أن تتذكر أن الحزن وقت، والفرح وقت، وكل أمورك عبارة عن وقت، وأني أنا الذي سيسألك الله عني فيما أفنيته..! وأني أهم سؤال مُطلق في هذه الحياة، ولا أعرف من قبض على الإجابة من السابقين..
هل لديك الإجابة أم أنك تائه حتى حين انتهى عمري الذي أفنيته في عمرك؟