قد يخيل إلينا أن رمي العقال طلباً للحد من قصاص أو تحقيق زيجة أو طلب مستعص.. هو أمر مقتصر على المسلسلات الدرامية، لكنها عادة لايزال بعض رجال البلدان الخليجية يستخدمونها، دون أن ييأسوا من تحقيق ما يريدون، فلأي حد مازالت هذه العادة مقبولة، وما موقف الشباب منها؟
في السعودية: يستخدمون العبارات للتحرش بالفتيات
«طلبتك»، «انتخبتك»، «دخيلك»، كلها من التسميات التي وراءها «رمي العقال» على الآخر، من صاحب طلب إلى صاحب قرار، فعادة «رمي العقال» صارت مقصورة فقط على المنطقة الجنوبية السعودية، كما يرى سعيد الغامدي (إعلامي)، ففي الماضي كان «رمي العقال» يستخدم في المواقف شديدة الأهمية، مثل: الوساطة في تنازل أحد عن القصاص، أو سد دين أحد، وهذا الموقف إذا حضره أحد من الجيل الجديد لأعاد العقال لمن رماه. وقال: «وش أسوي به»؛ يستدرك سعيد: «لجأ أحد أصدقائي إليَّ في وقت متأخر من الليل طالباً قرضاً، وبمجرد أن فتحت له الباب رمى عقالاً عليَّ، وعلى الفور لم أملك إلا تلبية طلبه، وإقراضه حتى قبل أن أسمع شكواه وظروفه الصعبة التي حدثني عنها، حين ردَّ لي القرض».
لا مزاح
ويترامى إلى مسامع سلطان الشامري (موظف) أن شباب اليوم يستعملون لفظة «طلبتك» في المعاكسات والتحرشات بالفتيات في الأسواق التجارية، فيقف أحدهم، وحين تمر فتاة يقول «طلبتك»؛ لإظهار تعلقه بها، يتابع الشامري: «حين رأيت أحد الشباب يتصرف بهذا الشكل مع فتاة في أحد الأسواق، ثرت عليه، ونهرته، وهو يعتقد أنني ثرت لأني أعرف الفتاة».
لا يمزح شيخ أحد قبائل سبيع الغلبا منصور بن ناصر النابتي المشعبي السبيعي في رمي العقال مطلقاً، ولا يجده موقفاً للطرافة؛ لأنّ هذه العادة، كما يقول، من «السلوم»، أي العادات المعبرة عن الوجاهة، ويطلق عليها «ساق الجاه»، يتابع: «قد تحدث في القصاص، أو عند التقدير والتمجيد، والموافقة، لكنها تختلف من قبيلة لأخرى، فمن الناس حين يطلب أمراً يقلب فنجان القهوة، ويقول للمتوجه إليه «طلبتك»، ولا يشرب إلا حين يرد المتوجه إليه بالقبول».
في الإمارات: فقد عقاله خلال مشاجرة وعاد حاسر الرأس إلى منزله
يكون العقال في وقت من الأوقات أداة للدفاع عن النفس، وقد يستخدمه صاحبه للضرب أو التهديد، وحتى التخويف، كما أن رميه في بعض المناسبات على بعض الأشخاص يعتبر تعبيراً عن الحب.
وتروي لنا خديجة علي الواحدي (موظفة) قصة قالت إنها بقيت موضعاً للتندر، فعندما جاء عمها لخطبتها لابنه قابل والدها الطلب بالرفض، فما كان من عمها إلا أن احتد على أخيه، ورمى العقال عليه، لكن الثاني بقي مصراً على طلبه، تتابع خديجة: «عاد عمي وأخذ عقاله وانهال ضرباً به على أبي، فقرئت فاتحتي على ابن عمي الذي أصبح زوجي الآن، لكن المضحك في نهاية السهرة أن عمي بقي حاسر الرأس يبحث عن عقاله الذي رماه».
يعترف حمد النابودة (تاجر عقارات) أنهم في بعض الأحيان يستخدمون هذه الحيلة لإحراج أحد التجار لبيع أرض أو لتخفيض ثمن مبنى سكني، وضحك مازحاً: «تفشل الخطة، خاصة مع التجار الجدد».
في الكويت: ومعه خروف!
رمي العقال طوق نجاة في جرائم القتل، ونجاح الطلبة ومرشحي الانتخابات! وكانت الانتخابات الكويتية هي أول ما حوَّل هذه العادة من جديتها إلى طرافتها، بعد أن ظهر أحد المرشحين في مقطع على الـ«يوتيوب» يدعو الناس إلى اختياره وترشيحه، وهو يقول لهم «يا ربعي، يا أهلي»، ورفع الناس أشمغتهم والعقال؛ تعبيراً عن تأييدهم له.
من المواقف الطريفة التي واجهها أحمد السلمان (موظف)، قيام بعض المراجعين برمي العقال على موظفين ودكاترة من الجنسيات العربية؛ للحصول على طبية «إجازة مرضية» أو تقديم موعد العلاج أو إجراء العملية.
تسجيل تعهد
ذكر فهد الشمري (موظف) أن أحد أولياء الأمور رمى العقال في المخفر على والد طالب اشتكى على ابن الأول، بعد أن ضربه في المدرسة وألحق به إصابات كثيرة في أجزاء متفرقة من جسده، ورغم حرص ولي أمر الطالب المجني عليه على تسجيل شكوى وقضية إلا أنه أصر على التنازل أمام ضابط المخفر، الذي اكتفى بتسجيل تعهد على ولي أمر الطالب المتهم بعدم تكرار الحادثة مستقبلاً، يتابع الشمري: «بعد ذلك قام ولي أمر الطالب المتهم بإرسال «خروف» إلى منزل ولي أمر الطالب المجني عليه؛ تقديراً له لموقفه، واستجابته لرمي العقال».
في البحرين: عقال فتح مجلساً
يبتسم الناشط الاجتماعي صالح بن علي، وهو يتذكر كيف كانت «رمية العقال» السبب في فتح أحد المجالس الخاصة في مدينة المنامة، حيث كان اللقاء ليومين في الأسبوع في مجلس أحد كبار وجهاء المنطقة، وكانت جلساته عامرة، ويقصده البحرينيون، حتى افتتح أحد رجالات المنطقة مجلساً آخر، يتابع صالح: «دعانا له، وتصادف أن جلسات المجلسين تقام في نفس الأيام ونفس الوقت، ولذلك تصاعد الغضب بين الرجلين، واستطعنا جمعهما معاً في مجلس الأول، وحتى وجدنا الأول يرمي عقاله أمامنا، ويطلب أن يفتح المجلس الثاني في أوقات مختلفة، وكان له ما أراد».
عقال على الميكرفون!
النائب البلدي للدائرة الثانية في المحافظة الوسطى علي بن حويل يروي لنا قصة أخرى، حصلت في الانتخابات الماضية عام 2010، حيث كانت المنافسة حامية جداً بين كل المرشحين، وكل نائب يحاول أن يجمع أكبر عدد من الأصوات لصالحه، يتابع: «زارنا رئيس التيار السلفي الكويتي فهيد الهيلم الظفيري في البحرين أمسك بالميكرفون، وبدأ يلقي خطبة جميلة وراقية عن البحرين وأهلها، ثم أثنى على مواقفها مع دولة الكويت، ثم رأيته يتوجه للناخبين وهو يقول يا إخواني المرشح بن حويل رجل يستحق التصويت له، ثم رفع عقاله ووضعه على الميكرفون، وقال: يا أهل البحرين «عكالي أمانة عندكم» سأرجع لأخذه من الحضور بعد الانتخابات، فما كان من الحضور إلا أن رفعوا «عقالاتهم» تأييداً لموقفه، وفزت بالانتخابات.
تقاليد عشائرية
يوضح الدكتور عبدالعزيز المشيقيح، (اختصاصي في علم الاجتماع في جامعة القصيم)، أنّ رمي العقال يعني «عطيتك وجهي»، و«ما ألبسه إلا إذا قبل الطلب»، يتابع المشيقيح: «يكثر هذا الموقف حالياً بين بعض الشعراء الشعبيين عند إلقاء قصائدهم، أو في الملاعب"».