يُنفق المرء أكثر وقته في سبيل العناية بجسده، فمن ذاكرة الجسد، إلى فخ الجسد، ومن أولمبياد الجسد إلى كمال الأجسام!!
والجسد في مسيرته التنموية له أصدقاء ورفاق في النجاح، وزملاء في الجمال والفلاح.. كيف نُهملهم ونحن نعيش في عصر تسود فيه "التكتلات" وتتلاشى فيه "الفردية"!!
ومُصطلح "أصدقاء الجسد" مُصطلح "عَرفجي" اخترعه الحبر، ليُعيد الحق إلى نصابه، فليس فلسطين وحدها هي من تُعاني من ضياع حقوقها، بل أصدقاء الجسد لديهم حقوق على الجسد الذي يستهلك هؤلاء "الأصدقاء".. أو لنقل يستغلهم ثم "يُجسِّد عطاءاتهم".
ونظراً لأن المُصطلح جديد طازج، لابد أن نُعرِّفه على طريقة أهل – أصول الفقه – تعريفاً مانعاً جامعاً، ليقول: (إن أصدقاء الجسد هُم كُل من يُرافق الجسد، ويُمكن أن يُفارقه طواعية من مثل: الملابس، والأقلام، والساعات، والسيارات، والأحذية، واللحية والشارب، والرموش)، وعندما نقول طواعية فهذا احتراساً من قطع الأعضاء التي تقطع - رغم أنف صاحبها - لسبب طبي أو لحادث شنيع.
إنَّ أصدقاء، أو لِنَقُل تلك الأشياء التي تُصاحبه من دابة أو ملبس، تجد منا القسوة والجفاء والتجاهل وقلة الوفاء.. وهذا أمر لم يكن في طباع العرب الأوائل.. تأملوا مُعلَّقة الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد لقد قال أجمل الشعر مُتغنيّاً بصديقة جسده "الناقة"، وشاعر آخر قال إنه لا يحب حبيبته فقط بل أن بعيره يحب ناقة حبيبته.. لذا يقول: وأحبها وتُحبني.. ويُحب ناقتها بعيري!!
وهذا الشاعر كُثير نمرة يتحدث عن الإزار "الثوب"، وهو صديق للجسد، فيحسده لالتصاقه بجسد حبيبته "لبنى" حيث يقول:
أرى الإزار على لُبنى، فأحسده
إن الإزار علي ما ضمَّ محسودُ
ولو راح القلم يستقصي "أصدقاء الجسد" وما قيل فيهم لاحتاج إلى مُجلَّدات من الورق.. فالحذاء والملابس والمسواك كلها من مُلاصقات الجسد، ولم يجد الشاعر الأموي إلا المسواك يحسده على التصاقه مع بقية الأشياء حيث يقول في غيرته على حبيبته:
أغار عليها من أبيها وأمها
ومن خطوة المسواك إن دار في الفمِّ
أغار على أعطافها من ثيابها
إذا ألبستها فوق جسم مُنعّم!!
في النهاية اقول:
يا قوم.. تأكَّدوا أن احترامكم لأصدقاء أجسادكم، سيجعل هؤلاء الأصدقاء يقفون معكم وقت الشدائد، وهذا ما حصل مع الشاعر نزار قباني حين وقف أصدقاء الجسد مع حبيبته ضده، حيث يقول:
أيصدني نهدٌ تَعبتُ برسمه
وتخونني الأقراط والأثوابُ!