باطن حياتك وظاهر حياة المشاهير

أحمد العرفج
د. أحمد  العرفج
د. أحمد  العرفج

في عصر مواقع التواصل، أصبحت الغيرة بين الناس مشتعلة ومنتشرة، والمشكلة تكمن في نقطة واحدة، وهي أن أكثر الناس يقارنون حياتهم البسيطة بظاهر حياة المشهورين والمشهورات، من دون أن يعرفوا خفايا وبواطن ومعاناة هؤلاء الذين يغارون منهم أو يحسدونهم أو يغبطونهم. 
قبل أيام كتبت ناصية أقول فيها:
أعاني من بعض الأمراض، ومتصالح معها وصابر ومحتسب. وقبل أيام قابلني شخص وقال:
أتمنى أن أحصل على شهرتك، وثقافتك، ومنصاتك الإعلامية.
فقلت له:
هيا نتبادل الأدوار، خذ شهرتي وثقافتي ومنصاتي، ومعها أمراضي، وأعطني صحتك!
فقال: لا! صحتي غالية..!
فقلت: إذاً، أتمنى أن تقدر النعمة التي أنت فيها، وأن تركز على الموجود، وتدع التفكير في المفقود..
وإياك يا صاحبي أن تقارن حياتك بظاهر حياة الآخرين؛ لأنك لا تعرف باطن حياتهم. 
ومع هذه الناصية صورت مقطعاً مرئياً مدته دقيقة، أشرح فيه الفكرة وأحاول تبسيطها، والحمدلله أن المقطع شرق وغرب، ويكفي أن أقول: "إنه حصد قرابة نصف مليون مشاهدة في تطبيق التيك توك فقط"، وأنا سعيد بهذا الأمر لأنه يجعل الإنسان يعود إلى نعمة الله التي بين يديه ويقدرها حق قدرها، حتى وإن عجز عن إحصائها،
قال تعالى: "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ"
لقد وصلتني رسائل كثيرة حول هذه الناصية ومن الصعب نشرها، ولكن سأعرض بين يديكم رسالة وصلتني من رئيسة تحريرنا في هذه المجلة الأستاذة "لمى الشثري"، وسبب النشر لا يعود لأنها رئيستنا، بل لأنها طرحت عتاباً على المشاهير حيث تقول:
أولاً: سلامة قلبك وما تشوف شر وبإذن الله طهور ونور.. 
ثانياً: أتفق معك أن الناس تتعجل بإطلاق الأحكام من دون النظر إلى ما وراء الكواليس، ولكن نعتب أيضاً على بعض المشاهير خاصة المهتمين بأسلوب الحياة إبرازهم الجوانب المثالية في حياتهم، وهذا الأمر يجعل المتابعين يظلمونهم من جهة، ويأسفون على أنفسهم من جهة أخرى لأن المشاكل الطبيعية التي يواجهونها تتضخم في نظرهم.
ثالثاً: الله يزيدك من علمه النافع ويوفقك لكل خير. 
شكراً للأستاذة لمى، وهذه الفكرة أتمنى أن تجعلوها نصب أعينكم. 
في النهاية أقول:
يا قوم؛ تمتعوا بالنعم الموجودة، ولا تركضوا خلف الأماني المفقودة، وإياكم ثم إياكم أن تقارنوا ظاهر حياة المشاهير بحياتكم، لأن أصحاب مواقع التواصل يظهرون ويصورون الجميل البديع، ويكتمون ويسترون المعاناة المؤلمة والوضع الشنيع في حياتهم.
والغريب أنني عندما نشرت المقطع لم أقصد الحديث عن الأمراض، بل أردت التركيز على نعم الله التي بين أيدينا ولا نلتفت إليها، ولكن أكثر الناس ذهب إلى المرض والدعاء لي بالشفاء، ونسي الرسالة الكبرى وهي.. أن الشهرة التي يتمناها البعض قد تجلب معها بعض الأمراض، والمشاهير الذين نحسدهم على حياتهم لديهم معاناة كبيرة نحن لا نعرفها.