الحياة.. أشرس  معركة نخوضها 

د. سعاد الشامسي 
د. سعاد الشامسي  
د. سعاد الشامسي


لتسأل طفلاً صغيراً عن الحياة، سيرد السؤال إليك مرة أخرى، وكأنها إجابة.. وجدّي من تاسع جيل سيأتيني في الحلم مغاضباً "لماذا تطرح أسئلة لا إجابات لها؟"، ويرحل..
هل توقفت ذات مرة في منتصف الطريق الذي قطعته وسألت نفسك عن معنى الذي تفعله كله؟ 
عن المعنى وأشياء أخرى تسبب فيك غيظاً يكاد يبتلع قلبك، غيظاً إن شكوته للدار والجار سيشّكون في مقدرتك على المواصلة، لكنك لأمور لا يعلمها سوى الله تواصل، وسيف الكلام مغمد في خاصرتك..
منذ نعومة أظفاري وأمي تُعدني للمعركة، وأبي يشحذ عزيمتي كما يفعل في السكين المخصص للأضحية، وأنا في المهد لا تتوقف عن الدعاء لي، منها لينصرك الله، ولا يُخيب مقاصدك، وأن يكون الطريق المستقيم طريقك دوماً، بينما أبي يظل صامتاً، كأنه يعلم شيئاً لا يظهر لنا بعد، كبرت على دعوات أمي وصمت أبي، متسائلاً عن أي نصر تقصد؟ وأي مقصد وأنا بخير؟ ولكن ملاكاً على كتفي كان يُعجبه الدعاء فيهمس في أذني: آمين.. 
حتى دخلت معركة لا تنتهي، ووجهة لا تأتي، وأقدام متعبة، وأحذية مُهترئة، وتشجيع لا ينتهي من أمي، وصمت مهترئ من أبي.. 
أخرج من المعركة، تُريحني أمي وتُعيد لي أنفاسي وتربت على كتفي، تُصلي بالدعوات، حتى أخوض معركة أخرى، تصقل فيها الحياة مهاراتي، وتقذفني إلى حضن أمي.. 
في ليلة كنت حزيناً فيها، والحزن مُعلق على وجهي كلوحة زيتية تُداري دمع صاحبها، دعت لي أمي بصوت خافت: "الله يحنن الحياة عليك"، ضحك أبي ونزع صمته وانطلق متحدثاً: 
الحياة يا ولدي معركة لا رابح فيها، ولكنها مستمرة إلى أن يدق جرس النهاية، إلى أن ننتهي نحن ونُجر من أكفاننا إلى الموت، في النهاية تنال شرف أنك حاولت وجاهدت مع نفسك حتى انقطعت أنفاسك وأعادتها لك أمك، سنُجر من أكفاننا من دون أن نحمل كأس الرابح معنا، والحياة لا تطمع بالكأس، بل إنها تُحطمه من بعدنا في ذاكرة الأرض الصلبة..
ويبقى حضورنا شاهقاً في نفوس الأحبة والذين شهدوا على انتصاراتنا مع الله.. 
يا بُني هذه نصيحتي لك، كي لا تُحطم الحياة أسنانك وأنت في منتصف غرورك: 
لا تطرق أبواباً لا تُفتح
لا تحارب الغربان 
لا تكتفي من الحب 
لا تُصارع الحياة 
صارع ذاتك 
وافلح