نظرية بركة الشر

أحمد العرفج
أحمد عبد الرحمن العرفج
أحمد عبد الرحمن العرفج


تحاول الثقافات الكسولة أن تمرر أشياء غير منظمة، وغير مستساغة في محاولة جادة لزرع غاية نبيلة، حتى ولو عن طريق وسيلة غير شرعية.. من ذلك ضعف الشر، وقوة الخير.. كيف أصدق أن الشر ضعيف والخير قوي.. والأمثال والوقائع تقول غير ذلك.. خذ مثلاً – الشجرة تنسى من يسقيها الماء مدى الحياة، ولكن ذلك الذي يطعن خاصرتها بفأسه لا تنساه، ويبقى ذكر الطعن وأثره باسقة مدى بقائها شاهداً على قوة الشر و[بركته]!!
مثال آخر – تفاحة واحدة تفسد صندوقاً كاملاً من التفاح، ولكن كل التفاح – يا للحسرة - لا يستطيع أن يصلح فساد تفاحة واحدة، لأن شجاعة الشرَّ أقوى وأعنف من كثرة الخير!!
ثم ألا تلاحظ، أو تلاحظين [فرحة البشر] – كل البشر – بسقوط الآخرين والأُخريات وتناقل أخبار سقوطهم بسرعة تسبق سرعة الريح.. وحتى ولو كانت هذه الأخبار [لا أساس لها من الصحة، كما هي تعابير وزارات الإعلام في الوطن العربي]!! هل أذكركم بـ [حديث الإفك]؟! هل أكتب عن تطاير الإشاعات هناك وهنا؟!
قالها مرة الأديب ويليام شكسبير: [الشر الذي يصنعه البشر يبقى بعد وفاتهم، والخير غالباً ما يُدفن مع عظامهم]!! وفي الحكم المغربية يقولون: [الخير من رصاص، والشر وزنه كالريشة]، في إشارة واضحة إلى سرعة زوال الخير، وقوة بقاء الشر!!
هل نسلّي أنفسنا بحكمة تركية – حمقاء – تقول: [افعلْ الخير، وارمه في البحر، فإذا تجاهلته الأسماك، فإن الله جلّ وعزّ سيعلم به]؟!
إن النفس البشرية التي بين الجوانح نفس خبيثة تبث كل ما هو شرير، لذا يقول عنها أبو العتاهية شاعرهم العجوز:
لِكُلِّ إنْسَانٍ طبيعتانَ خيرٌ وشرٌ.. وهما ضِدِّان!!
هل أصدقه؟! وهذا توماس فولر يقول: 
(التعليم يُحسّن الأخيار، ويفسد الأشرار)؟! 
حتى أهل الصين تناولوا – بركة الشر – بصياغة أخرى يقول حكيمهم – منشيوس – في هذا السياق: [الخير يقهر الشر، كما يُروّض الماءُ النار. وإذا كان كأس من الماء لا يكفي لإطفاء حريق، فإنه لا ينبغي الاستنتاج أن الماء عاجز أمام النار]!!
لا أجادلك كثيراً في هذا، ولكن سأذكر لك ما يوافق فكرتك من كلام العرب، حيث يقول الشاعر: 
الخَيْرُ لا يَأْتِيكَ مُتّصلاً والشّرُّ يَسْبِقُ سيلَهُ المَطرُ!!
وإذا أردتم أن تعرفوا بركة الشر، فتأملوا هذه العبارة التي كتبها "مورارجي ديساي": حيث يقول فيها: 
"في حين يسهل علينا أن نكره، يصعب علينا أن نحب، وهكذا تجري الأمور، كل الأشياء السيئة قريبة وكل الأشياء الحسنة بعيدة المنال". 
في النهاية أقول:
إنني حصلت على ترقية، ولم يلتفت إليها أحد ... ولكن حين حصل لي حادث مروري لم يبق أحد إلا وعلِم بذلك الحادث.. وهذه خلاصة نظريتي التي سمّيتها (نظرية بركة الشر).
اللهم اجعلنا ممن يسمع الأخبار ولا ينشر إلا أفضلها...